قالوا :
لا نكفر الجاهل الذي وقع في الشرك الأكبر الا بعد قيام الحجة (٢)
***************************************************************
صـفة قيام الحجة
★★★★★★★★
ونعمد بعد ذلك بعون الله وتوفيقه إلى معنى آخر من معاني قضية العذر بالجهل، وهو في ذاته فاصل في النزاع كما سيتبن إن شاء الله لنوضح ضابطه الشرعي، وحده والشرط فيه كما ورد في كتاب الله وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته وهديه، ألا وهو صفة قيام الحجة.
صفة الحجة شيء وصفة قيامها شيء آخر
فالحجة القرآن كما ذكرنا آنفا أما قيامها فهل بمجرد البلاغ والسماع أم بإحداث الفهم والعلم الضروري بها. ومتى تعتبر الحجة قائمة، هل الشرط هو بلوغها والسماع بها أم الشرط هو فهمها والعلم بها، ويتبع ذلك من بيان هل الشرط تيسرها وامكان العلم بها أم تحقيق وقوعها فعلا، وما يتبع ذلك من بيان هل يكفي وجود الحق وأدلته أم لابد من دفع الشبه بحيث يقع العلم الضروري لدى المحتج عليه، ويرتبط بذلك الحديث عن صفة من يقوم بالحجة بافتراض أنها ليست القرآن على مذهب المخالف وضابطه الشرعي لو كان.
//////////////////
ونبدأ فنسال مخالفينا: ما هي صفة قيام الحجة عندكم ؟. وعلى وجه الدقة والتحديد، فإن قيام الحجة لا يخلوا من أحد أمرين، لا ثالث لهما إما أن تكون بمجرد بلوغها والسماع بها، وإما بضرورة إفهامها وإحداث العلم الضروري بها بما يقطع وجود الشبه؛
فإن قلتم إنها تكون بمجرد البلوغ والسماع بها، وهو الحق كما سيتبين، كذا جزمتم بسقوط قضية العذر برمتها في واقع اليوم وعلى التحديد بلاد العرب كمصر والشام والحجاز واليمن وغيرها وذلك أن هؤلاء القوم يتلى عليهم كتاب الله ليل نهار...ويحملون المدون منه في دورهم وملابسهم وسياراتهم بل وأمامهم كتب التفسير واللغة والفقه والأصول والحديث والسير، وشتى جواب العلم التي توفرت بفضل من الله ورحمة، بشكل لم يسبق له مثيل
ومع ذلك فهم لا يفقهون في كتاب الله حديثا، ولا يعلمون الكتاب إلا أماني وإنهم إلا يظنون كسلفهم السيئ من كفار أهل الكتاب وما يدرون ما الإيمان لفسقهم وبغيهم وإهمالهم كتاب الله والنور الذي أنزل، واشتغالهم بفلسفات الجاهلية وعلومها، حتى الموسيقى ومدارسها ومذاهبها واتجاهات روادها وأهم أعمالهم أو شريعة الكفر الوضعية وأسسها ومداخلها ومخارجها أو بقوانين الكرة والألعاب الرياضية وما يجوز فيها وما لا يجوز، ونقاط الاختلاف فيها، أو التبحر في علوم السياسة وألاعيبها ونفاقها والبحث عن سبيل الترقي في مدارجها ومسالكها أو دراسة الشعر عربيه وأعجميه ومدارسه المختلفة التقليدي والحديث منه، والنزاع بين أنصار هذا وذاك أو التبحر في التاريخ الفرعوني، أو البابلي وتمجيد عباد الأصنام والشمس والقمر وتقصي أخبارهم وحوادثهم والاحتفال بهم أو الانشغال بالدنيا عموما وملذتها وشهواتها واستخفاف ملوك تنميط العقل البشري من اليهود وعبادهم ثم هم بعد ذلك معرضون عن دراسة كتاب ربهم هاجرون له، وهو الهدى والنور، مكتفين بشتى مفاسد الجاهلية التي يسمونها علوما وثقافات، بل إن الشاذ منهم عندما يدرس في هذا الكتاب فهو ابتغاء مهنة أو وظيفة حكومية وإما على سبيل البحث الثقافي في التراث البشري والإنساني – زعموا- ابتغاء مركز اجتماعي استكبارا في الأرض ومكر السيئ.
والخلاصة هنا أنكم لو سلمتم معنا بأن الشرط هو مجرد البلوغ وسماع الحجة، فقد جزمتم بفساد مفهومكم لقضية العذر كما هو واضح، أما إن قلتم إن الشرط هو ضرورة فهم الحجة وحدوث العلم بها وقطع الشبه- وهذا قولكم - أتيتم بعظيمة في الدين، ولزمكم عذر اليهود والنصارى اليوم يقينا، لأن كل عاقل يعلم أن الحجة لم تقم عليهم بهذا التحديد الذي حددتموه. فجماهير مقلدون تابعون يجهلون دلائل القرآن المجيد لإعراضهم عنه فضلا عما يبثه فيهم أئمة الضلال من الأحبار والرهبان من شبه حول القرآن ودلائله، فهلا عذرتم اليهود والنصارى بجهلهم على مذهبكم ؟؟!. أم ماذا كنتم تعملون ؟؟!.
ومن العجب أننا لما عارضنا بعضهم بأمر اليهود والنصارى قالوا: أننا أكفرنا اليهود والنصارى لأن النصوص القطعية في الكتاب والسنة دلت على كفر من دان بدينهم،
قلت: وكذلك النصوص القطعية في الكتاب والسنة دلت على كفر من توجه بالنسك لغير الله ، أو استنصر غير الله أو استرزقه من الأموات، وكذا من شرع شرعه من دون شرع الله يتصرف بها في جزء من كون الله وقضى بها بين العباد في دمائهم وأعراضهم، فلماذا عذرتم هؤلاء ولم تعذروا هؤلاء ؟؟. وكذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ومن مات يشرك بالله شيئا دخل النار [ رواه البخاري و مسلم ].
فبأي سلطان فرقتم بين من أشرك من المنتسبين لدين محمد صلى الله عليه وسلم وكلاهما نقض التوحيد ؟؟. أم أن الله تعالى جعل القرآن حجة بمجرده على اليهود والنصارى وليس حجة على كفار العرب ومشركيهم، إلا بالشروحات الطوال وغيرهم أم هو الهوى والتحكم بالباطل ؟.
أريد أن أقول: أن الاعتراض عليهم هنا بشرك اليهود والنصارى هو في ذاته حجة ملزمة، ولا انفكاك منها، إلا أن يحكموا محض الهوى والتلذذ وإني أعلم جيدا أنه لولا بقية من الحياء عند بعضهم لحكموا بعذر اليهود والنصارى وإنهم ليسوا كفارا مشركين إلا من بعد إقامة الحجة الرسالية الغيبية على كل رجل وامرأة بالكتاب والسنة وتفسير الأئمة المشهورين، وبيان فساد ما عندهم من شبه، وإبطال ما يموه به أحبارهم ورهبانهم على الحق وأهله ؟. أليس كذلك ؟. نبئوني بعلم أن كنتم صادقين.
هذا وقد تواترت النصوص الشرعية القرآنية على بيان أن من الكفار من لا يفقه كتاب الله، ولا بيان رسوله صلى الله عليه وسلم ويموت يوم يموت وهو شاك في قضايا الإيمان بهذا الطرح الذي طرحه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يظن أنه الأهدى سبيلا، قال تعالى: ( قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ) [الكهف: 103 / 104].
وهذا برهان جلي، وبيان إلهي، يدفع من اشترط الفهم والعلم بالحجة في انقطاع العذر بنص قوله تعالى: (وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا )الآية.
فلو صح اشتراط الفهم لصح عذر هؤلاء بل لو صح شرط الفهم في إقامة الحجة لصح عذر من قال الله تعالى فيهم: ( اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ اللّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ ) [الأعراف: 30 ].
وكذلك من حكى الله تعالى عن عدم فهمهم للحق أو معرفتهم به في سورة الفرقان: ( وَإِذَا رَأَوْكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَن صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا )[الفرقان: 41 /42 ].
سبحان الله...هل هناك سوء فهم للحق، وتلبس فيه بمثل ذلك حتى يقول: (وَإِذَا رَأَوْكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَن صَبَرْنَا عَلَيْهَا )الآية.
فلعمر الحق لو صح اشتراط الفهم ورفع الشبهة في مقام الحجة للمشركين لصح بيقين عذر هؤلاء الضالين ولكنا وجدنا الحق سبحانه وتعالى يقول معقبا على كلامهم: ( وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا ) الآية.
بل إن الله تعالى يقرر بوضوح وجلاء يقطع ألسنة المخالف لنا في هذه القضية، يقرر سبب كفر أكثر المشركين بقوله تعالى: ( َبلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُم مُّعْرِضُونَ ) [الأنبياء : 24 ].
فهل بعد بيان الله من بيان؟. وهل خرست ألسن الأفاكين؟. وهل كشف عوار المبتدعين؟. اللهم فأشهـد.
أقول: فقد صح مما قدمناه بوجه القطع واليقين، بطلان اشتراط الفهم والعلم القطعي بالحجة بما يقطع به الشبهة في إقامة الحجة بأن لك فساد من زعم أن الشبهة التي تتعلق بأذهان الكافرين توجب العذر، أو وجود أئمة الضلال وإضلالهم يوجب العذر وغير ذلك مما لا أعلم له سابقة في تاريخ الإسلام والفقه، ولعمر الحق هذا الذي بيناه، من فساد هذا الشرط لهو أوضح في الشريعة من أن نستقي الأدلة عليه، ولكن نصع، وقد لقينا من ينازعنا في مسلمات الشريعة وقواعد الفهم الأولية، ولا حول ولا قوة إلا بالله. وبعد أن عرضنا لك فساد مذهب القوم في ذلك، نقرر لك بعون الله، وجه الحق جليا عليه بدلائل الكتاب والسنة وسير النبي وهديه.
أقول: وصفة قيام الحجة إنما هي بلوغها للمرء بحيث يمكنه الوقوف عليها ومعرفتها، وسواء وقف عليها وحرس عليها ونظر فيها أو صم أذنيه عنها وأعرض وانشغل بغيرها وسواء فهمها، أو لم يفهمها، والحجة تعتبر قائمة عليه في كل ذلك، بمحض البلوغ والتمكن من السماع.
البرهان الأول:
قال تعالى: ( وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ ) [الأنعام: 19 ].
ووجه الدلالة في قوله تعالى: (وَمَن بَلَغَ ).
فصح أن الإنذار يكون بمجرد بلوغ الحجة، والعرب تقول: بلغ فلان الماء إذا وصل إليه فصح أن شرط الله إنما هو البلوغ لا الفهم، ونحن لا نشترط إلا ما شرطه الله تعالى.
البرهان الثاني:
قال تعالى: (وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ ) [التوبة: 06 ].
فهذا هو الشرط الواضح البين الذي لا يتعداه إلا مكابر: ( حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ).
ولو قال الحق سبحانه وتعالى: (حتى يفهم كلام الله ).
لجاز لهم أن ينازعوا، والعرب كما قدمنا تعرف أن بين الفعل " يسمع " والفعل " يفهم " بُعد ما بين المشرق والمغرب، قال تعالى: (وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا ) [الأنعام: 25 ].
فالسماع شيء والفهم شيء آخر، وشرط الله كما قدمنا:( حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ).
بالله الـتوفيق.
البرهان الثالث:
قال تعالى: ( لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَةً فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ )[البينة: 01 إلى 03].
وهذا برهان واضح حاسم، لا مدفع له، ولا صارف لدلالته، بين أن البينة ليست بإفهام الحجة وإنما بتلاوتها، (يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَةً ).
وسبق وأوضحنا أن هذه الآية من أعظم دلائل القرآن على مدلولها.
البرهان الرابع:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والذي نفسي بيده لا يسمع بي يهودي ولا نصراني من هذه الأمة، وبالذي جئت به ثم لم يتبعني إلا حرمت عليه الجنة .
فصح أن مدار قيام الحجة، وانقطاع عذر المشركين إنما هو السماع لا الفهم والعلم الجازم وانقطاع الشبه كما يزعم المبطلون. وكذلك الثابت المتقرر في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وهديه مع المشركين أنه ما كان يصنع ما تزعمه بعض الطوائف اليوم إقامة الحجة العينة على كل رجل من المشركين وعلى كل امرأة منهم ودفع ما عنده بذاته من الشبه حتى يحكم عليه بالكفر بعد ذلك وقبلها يعذر، وإنما الصحيح الثابت أنه صلى الله عليه وسلم كان يبلغ كلام الله، ويسمعه الناس، ويحتج به عليهم كما فعل مع بن ربيعة عندما جاء يساومه فتلا عليه القرآن، وبه كان يجاهد الجهاد الكبير كما قال تعالى: (فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا )[الفرقان: 52 ].
أي بالقرآن وبه يفرق بين الحق والباطل، فمن أقبل عليه اقبل، ومن أعرض عنه أعرض: ( فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا )[النساء: 80 ].
ومن فهم الحق منهم فبتوفيق من الله ورحمة ومن ختم الله على قلبه ولم يفهم فبفسقه وما يعلمه الله في نفسه.
بيد أن كل عاقل، يعلم أن شرط الفهم في الحجة من المحال إيجاده، واستيفاؤه في الأحكام الدنيوية لو صح اشتراطه بداية وذلك أنه أمر خارج عن طائل الضبط البشري، ولا يمكن الوقوف عليه في ظاهر الحال، أو نوجد له حلا، إلا أن نتحكم بالهوى والتلذذ،
فصح بطلان اشتراطه عقلا بعد أن أثبتنا بطلانه شرعا بالنقل.
* * *
مـن يقيم الحجة
★★★★★★★
ثم سألناهم: من هو الذي يقيم الحجة؟. وما صفته وتحديده الشرعي؟. وهم قالوا من قبل:" أن من يقيم الحجة هو من يحسنها ".
قلت: وهذا إشكال أحيل به على إبهام فنحن نسأل أساسها: من هو ذلك الذي يحسن الحجة ؟. وكم آية يعلمها؟. وكم حديث؟. وكم قول لصحابي وتابع؟. وكم قول لفقيه وعالم؟. كذا بافتراض صحة مفهومكم للحجة ثم ما دليلكم عن هذه الشروط والضوابط كلها ؟؟؟.
ثم نسألكم: من في واقع الأرض الآن يصلح لإقامة الحجة؟. فإن قالوا: فلان، نسألهم: وما الدليل والسلطان من الله على أن فلانا بعينه هو صاحب الحجة الملزمة التي يكفر من خالفها بعد علمه بها ؟.
أريد أن أقول: إنهم هنا أمام أحد الخيارين لا ثالث لهما، إما أن يحكموا هواهم ويحدوا له حدودا ويشرطوا شروطا بغير هدى لولا كتاب منير، وإما أن يقروا منا أنه لا يوجد ضابط واحد لأحد بهذه الصفة بحيث يكون هو الحجة التي يعذر بها الناس قبلها ولا يعذرون بعدها، ولزمه التسليم معنا إذاك أن الحجة على المشركين، وعلى الناس جميعا في أمر التوحيد إنما هي قائمة بمحض كتاب الله، والعذر منقطع لمن بلغه كلام الله، سمع وفهم أو سمع ولم يفهم، أقبل على الحق واستمع أو أعرض وتولى،
أقول: ولو اتبعنا القوم هنا وألزمناهم لوازم كلامهم لكشفنا فضائح لهم حجة، ولطال بنا المقام بما نكره القيام عنده فنكتفي بما قدمناه في ذلك ولله الحمد والمنة.
وجماع ما قدمناه هنا في هذا الباب أن الصفة الشرعية للحجة إنما هي كتاب الله العظيم، وأن صفة قيامها إنما هو إبلاغها للمدعو بحيث يمكنه الوقوف عليها، فان صم أذنيه أو استغشى ثوبه أو تلهى عنها أو اعرض أو لم يفهم فلا عذر له، ووجد إثبات الحكم الشرعي الواجب فيه، من غير التفاف لجهل أو غيره، هذا ما قدمت عليه البراهين القاطعة.
إذا صح ذلك فأعلم أن واقع بلاء العرب الآن، وهي محل النزاع بيننا وبين مخالفينا - قد قامت فيه حجة الله على العباد، وانقطعت عنهم آية الشبهة لعذر، وسواء أقلنا أن الحجة هي مجرد الكتاب، أم هي الكتاب والسنة وكتب الفقه والتفسير والأصول واللغة وغيرها.
أقول: مهما زعموا في اشتراط الحجة، فهي قائمة بكل ما اشترطوه، وأصبح لا شك لدينا في أنه قد رضي بجهله وجهله رضي به، ولا شك في أنه كما وصف الله سبحانه وتعالى أمثاله: (كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا )[الجمعة: 05 ].
وليعلم الناس جميعا: أن من فارق التوحيد منهم وتلبس بالشرك دل النص الشرعي على كونه شركا خارقا للتوحيد، فإننا لا نتردد لحظة واحدة في اعتباره مشركا كافرا بالله العظيم، ولا حجة له عندنا بجهل أو سوء فهم أو قلة علم ومن زعم عذره بجهله في هذا الحال فهو سفيه لا شك في فساد عقله، أو ضلال معتقده وكفره، بل لاشك عندنا أنه أعتى من عتاة المرجئة وأن قوله ذلك هو أفسد لدين الله وواقع الإسلام ورجاله والحركة الإسلامية من أي طعن يغمده أعداء الله فينا.
فاتقوا الله يا قوم، وتأملوا حالكم ومقالكم، وانظروا من أنتم ؟؟ وحذار أن تتلاعبوا بأقوال الفقهاء، أو تتلذذوا بلي الكلام، فالقضية ليست من الترف الفقهي، أو الخلاف السطحي، وإنما القضية كفر وإيمان شرك وتوحيد، جاهلية وإسلام، فاتقوا ربكم وراجعوا فهمكم ودققوا نظركم واصدقوا الله يصدقكم، وانصروا الله ينصركم.
هذا بيان ما أردنا تبيانه في هذا الباب، وقد أحكمناه وفصلناه بفضل الله بما لا يبقي ريبة لمرتاب
______________
منقول
0 التعليقات :
إرسال تعليق