صفحتي

صفحتي
مدونة ياقوم اعبدوا الله ما لكم من اله غيره
الجمعة، 21 أكتوبر 2016

(١) بيان مسألة الدفاع عن النفس في محاكم الطاغوت والرد على الشبهات

إرادة التحاكم إلى الطاغوت
********************
قد أنزل الله عز وجلّ الحكم بنقض الإيمان على من يريد أن يتحاكم إلى الطَّاغوت، فقال:" يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ "ولم يقل يتحاكمون إلى الطَّاغوت، فلم يؤخر تنزيل الحكم حتى يبدأ من يريد أن يتحاكم إلى الطَّاغوت التحاكم بالفعل أوحتى يتمه إلى نهايته.
فبدا واضحاً أنَّ الحكم تنـزَّل بمجرد ظهور إرادة التحاكم وذلك قبل الشروع فيه، كما أفاد ذلك أيضاً أنَّ إرادة التحاكم تنشأ قبل فعل التحاكم نفسه.

وإرادة الفعل في لغة العرب:
تعنى طلب ذلك الفعل واختياره والرغبة فيه والرجوع إليه والإنقياد له ومشيئته والتهيؤ له وقصده على حالته المعروف بها، وقد تكون إرادة الفعل هذه بمحبة وقد تكون بغير محبة أي أنَّك تريد الفعل وإن كنت له كارهاً.
إرادة التحاكم إلى الطاغوت هي إرادة رد النـزاع إلى الطَّاغوت ،فبمجرد ظهور إرادة ردّ أي نزاع إلى الطَّاغوت من مدعِى إيمان ينتقض بذلك إيمانه على الفور، ولذلك وصف الله من يفعل ذلك بقوله:" يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ" وهذا الحكم يتنزل حتى وإن لم ينته ردّ النزاع إلى الطَّاغوت بمحاكمة فعلية، ذلك لأنً ردّ النـزاع إلى الله ورسوله كان شرطاً لذلك الإيمان،قال تعالى :"إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ"  فبمجرد ردِّه إلى الطَّاغوت انتقض الشرط ردّ النزاع إلى الله ورسوله فانتقض معه المشروط وهو الإيمان، وكان وصفه": يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ"  ولهذا يكفر من يظهر منه إرادة ردّ النزاع إلى الطَّاغوت وإن لم يتحاكم إليه بالفعل.     
ولايصح القول أن فلان ذهب إلى محكمة قضاء الطاغوت ليُبَرئ نفسه لا ليتحاكم  لأنه لم يرد التحاكم  إعتباراً لنيته وجعلها شرطاً لتكفير فاعل التحاكم وذلك لأمرين :

أولهما : بطلان إعتبار المقاصد في فعل الكفر الصريح إذ أن أفعال الكفر تدُلّ دلالة صريحة على فساد الإعتقاد، وذلك إعمالاً لقاعدة التلازم بين الظاهر والباطن التى هي العلامة الفارقة بين المسلمين من أهل السنة والجماعة وبين المشركين من الجهمية والمرجئة، وقد بينا ذلك فى مقدمات هذا البحث.

ثانيهما : أن من ذهب لجلسة حكم الطاغوت مختاراً قد تحققت عنده الإرادة التي هي قصد الفعل وطلبه والتهيؤ له، ومعلوم أنها تكون قبل الفعل، فكيف يُقال أو يوصف من يلبس هندامه ويبحث عن مستنداته التي تثبت أن العقار ملكه ويودعه أهله بالدعاء له بالظفر بممتلكاته  ويتوجه إلى المحكمة بأنه غير مُرِيد للتحاكم أو أنعدمت عنده الإرادة !!
فمن يختار الطّاغوت كجهة للفصل، فقد إختار التحاكم إليه مهما إدَّعى من نوايا، لأن هذا هو ظاهر الفعل الذى اختاره، ولا يشفع له أن يدعى أنَّه لمـا اختار الطَّاغوت كجهة للفصل كانت نيته أنَّه يريد كذا أو يريد كذا ولم يُرِد التحاكم إليه. وهذا عين ما ادعاه المنافقون عندما أصابتهم مصيبة بتحاكمهم إلى الطَّاغوت فراحوا يدَّعون أنَّهم ما أرادوا إلَّا الإحسان والتوفيق وليس الفعل فيه ذلك، لأن ما أرادوه من اختيار كعب بن الأشرف كجهة فصل كان إرادةً لفعل ظاهره معروف وهو أنَّه ردٌ للنزاع للطَّاغوت وتحاكم إليه وهو كفر بيِّن وليس فيه إحسان أو توفيق، فلا يغير منه ادعاء ولا تصححه نية. قال تعالى على لسان المنافقين بعد أن تحاكموا إلى الطَّاغوت: (فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا) النساء61، وكذلك اليهود لما جاءوا النبى يطلبون منه الحكم فى اليهوديين الذين زنيا وكان حقيقتهم أنَّهم كانوا كارهين له وإنَّما جاءوه مختبرين كما هو واضحٌ من قوله تعالى):  يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا ) المائدة41. ومع ذلك فإنَّ الله عز وجل عدَّ مجيئهم إليه لطلب الحكم منه حيث هذا هو ظاهر فعلهم مع كونهم كارهين له كما أنَّهم جاءوه مختبرين، عدَّهم بمجرد إختيارهم له كجهة للفصل متحاكمين إليه وخيَّره في أن يحكم بينهم أو أن يعرض عنهم فقال تعالى ذكره: (فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ) المائدة42.
فدل ذلك على أنَّ إرادة التحاكم تتحقق مع ادِّعاء نية أخرى-بخلاف التحاكم- لتلك الإرادة ،بل ومع إدِّعاء كراهية الجهة التى يُطلب منها الحكم أيضاً.
فمن ظهرت إرادته لرد النـزاع إلى الطَّاغوت بأن ظهر منه قولٌ أو فعلٌ يفيد طلبه لذلك الردّ على هيئته المعروف بها،كالتسجيل بالمنازعة أو الشكاية عند جهة القضاء،أو إجابة الدعوة الصادرة من محكمة القضاء للفصل فى النزاع ،فهو مريد للتحاكم إلى الطاغوت وهذا هو توصيفه الشرعى، وأمَّا عن حكمه الشرعى فهو الذي أنزله الله بالكفر ونقض الإيمان وإن نازع فى ذلك من نازع.
__________________

بيان حال المدعَى عليه وإثبات أنه طرف من أطراف التحاكم
*********************************************
إن التحاكم كما ذكرنا سابقاً:
1/ حاكم أو قاضى .
2/ ومدَّعِى يرفع الدعوى على غريمه .
3/ ومدّعَى عليه (ودوره في التحاكم أن يدافع عن نفسه وينفي تهمة الخصم الموجهة إليه ويأتي ببينات على ذلك)، وذلك لايتم إلا بمخاصمته خصمه إلى الحاكم وهو إظهار كونه على حق وخصمه هو الـمبطل بالإستناد إلى الوقائع والملابسات والشهود.
- فالمدَّعِي يشكو إلى الجهة الحاكمة ويدلي بأقواله  ويأتي بالبينة أو الشهود على ما يقول ، والجهة الحاكمة تأخذ أقوال المتهم وتنظر بعد ذلك فيما بين يديها من المعطيات – ومنها أقوال المتهم – وتصدر ما تراه حكماً مناسباً للفصل في القضية .

فلا يختلف عاقلان في كَوْن المتهم طرف أساسي من أطراف عملية التحاكم ، وأن أقواله معتبرة عند الحاكم في إصداره للحكم .
- إذاً ، فإن المدّعِي متحاكم .
- وكذلك الـمُدعَى عليه متحاكم  إذا أجاب دعوة التحاكم الموجهة إليه من قبل المحكمة مع أن الأمر لايتوقف عند إجابته لدعوة التحاكم وإنما يُحاكم خصمه إلى الحاكم بإظهاره أنه على الحق وأن خصمه على الباطل بشتى الوسائل الـمتاحة له.
فكيف نجعله رجلاً أجنبياً عن عملية التحاكم ونزعمُ أنه لا علاقة له بما يجري من الكفر ؟!. وهل إجابته دعوة الطاغوت للفصل بينه وبين خصمه فعلٌ مباح أباحه شرع رب العالمين ؟؟
وهل مخاصمة خصمه إلى الطاغوت ليس لها حكم في الإسلام ؟؟
{ .. قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين }.

ولا أدل على أن المتهم إذا ما دافع عن نفسه وخاصم خصمه إلى الحاكم فقد دخل في عملية التحاكم من قول الرسول صلى الله وعليه وسلم من حديث أم سلمة زوج النبي أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: " إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي  فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع منه فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذن منه شيئا فإنما اقطع له قطعة من النار."
وقوله : (... فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض ) يعني أفطن لها وأجدل بها.اه
- وفيه أن القاضي إنما يقضي على الخصم بما يسمع منه من إقرار أو إنكار أو بينات على حسب ما أمكنته السنة في ذلك.
- وفيه أن القاضي يقضي بكل ما يقر به عنده ( المقر) لمن ادعى عليه لقوله صلى الله عليه و سلم (فأقضي له)
بمعنى أقضي عليه (بما أسمع منه) يريد أو من بينة المدعي لأن هذا هو الذي يسمع مما يحتاج أن يقضي به .)أهـ
و كما يقول الشافعي رحمه الله في كتابه الأم في نفس الحديث : (... وفي مثل معنى هذا من سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قوله : " إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع منه فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار ."
- فأخبر أنه يقضي على الظاهر من كلام الخصمين وإنما يحل لهما ويحرم عليهما فيما بينهما وبين الله على ما يُعلِمان .)اهـ كلام الشافعي

( وظاهره أنه لا يحكم إلا بما يسمع في حال حكمه ، وقد روي : ( وإنما أحكم ) وهذا صريح أو كالصريح في أنه لا يحكم إلا بما يسمع .) اهــــــ

( إنما أقضى على نحو ما أسمع ) ولم يفرق بين سماعه من الشهود أو المدعى عليه فيجب أن يحكم بما سمعه من المدعى عليه كما يحكم بما سمعه من الشهود .)اهـ 

* والقول بأنه غير معني بما يترتب على أقواله من حكم القاضي في قضيته؛ فهو كلام مردود لأننا مؤاخذون بما نتلفظ به " وهل يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم "  و " إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في النار سبعين خريفاً " أو كما قال النبي (صلى الله عليه وسلم).
_______________

بيان ماهية دعوة محكمة الطاغوت وتوصيف فعل المدعَى عليه
وحكم هذا الفعل
***********************************************
الخلاف الواقع بيننا وبين مخالفينا كما ذكرنا سابقاً : الذهاب للمحاكم الكافرة عند إرسال دعوتـها للتحاكم , وحكم من أجاب هذه الدعوة وذهب إلى المحكمةللفصل بينه وبين خصمه ومخاصمة خصمه إلـى القاضى دون إكراه ملجئ .
فمخالفونا يزعمون أن إجابة هذه الدعوة الكفرية الصريحة من الطاغوت للحكم بينك وبين خصمك أمر مباح !! سبحان الله!! أين ذهبت العقول !!
ألستم من تُقررون أن الحاكم بغير شريعة الله طاغوت ؟؟
ألستم من تُقررون أن الله وصف من أراد التحاكم إلى الطاغوت بالإيمان به في قوله (وقد أمروا أن يكفروا به) ؟؟
ألا تعلمون أن الدعوة التى أختلفنا في حكم إجابتها دعوة من محكمة الطاغوت ؟؟
ألا تعلمون أنها بخصوص نزاع بينكم وبين خصومكم ؟؟
ألا تعلمون أنه يحكم لكم أو عليكم وفق أقوالكم وأقوال خصومكم بقانونه الوضعي الذي طالما صدعتم رؤوس مخالفيكم لأجل الكفر به ؟؟
نقول لكم كما قال تعالى:( قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) ونحن بعون الله وتوفيقه نبيّن لكم حجتنا، فتدبروها وأعقلوها بعين البصيرة من غير تعصب لما ألفيتم عليه المشايخ والآباء وأقبلوا الحق ممن قال به ولو كان بغيضاً عندكم فالحقّ أحق أن يتبع.

==============
نموذج دعوة الطاغوت لمجلس حُكمه :

قبل الكلام عن توصيف فعل الـمُدعى عليه نبيّن صورة تقريبية للعريضة الإستفتاحية التي هي بمثابة دعوة من الطاغوت الى المدعى عليه (المشتكى) أمامه للفصل بينه وبين المدعى (الشاكي):

جمهورية....................
وزارة العدل
مجمع محاكم.....................
محضر قضائـــي ….....
محكمة … ......
دعوى للتكـــلـيف بالــحــضــور لـجـلـسـة ........ ...... ....
طبقا للمادة ...........................
بتاريخ .......................من شهر .............. لعام........ على الساعة ............
المدعو........................................................
أنت مُكلف بالحضور أمام محكمة ...........................
بناء على الدعوة المرفوعة  ضدك من طرف  ............................................
لحضورالجلسة .................................... يوم.....................
المؤجلةلجلسة :.............................................
على الساعة : ......................
أمام محكمة / ......... القسم/ ........... ، قضية رقم : ........... .

التي مُلخصها ...........................................................................
كما أخطرناه أن هذا التكليف قدم له للعمل بموجبه قانوناً و في حالة عدم امتثال المدعى عليه للتكليف بالحضور سيصدر حكم ضده بناء على ما قدمه المدعي من عناصر.
إثباتاً لذلك سلمناله نسخة من العريضة الافتتاحية ومحضر تكليف بالحضور ليكن على علم به وممضي علـيها من طرفنا .......... الكل طبقا للقانون .........................
إمضاء المبلغ له ................
إمضاء المحضر القضائي ..............
بطاقة الهوية :........../...........
مسلمة في : ......................................
عن دائرة :
إمضاء قاضى المحكمة .............

هذه هي صورة إعلان الدعوى من قِبل محكمة الطاغوت فنحن نقول بصددها :
كفرانك لاسبحانك يانذل ياطاغوت ..... دعواك كفر بذي العزة والجبروت
ويقول مخالفونا هداهم الله :
لبيك وسعديك أتيناك أتيناك  ..... تلبيةً لدعوتك سنأتي مسرعينا

==============

توصيف فعل المدعى عليه:
فعل الـمُدعَى عليه هو : الذهاب إلى محكمة القضاء إجابةً لدعوة المحكمة  للفصل بينه وبين خصمه ومخاصمة خصمه إلى القاضي وهذا توضحه علاقة الـمُدعَى عليه بكل من :
1/ الـمُدعِى.
2/ القاضي.
علاقته مع الـمُدعِى تتمثل في = الخصومة التي بينهما ومخاصمته للقاضي بعد إجابة الدعوة.
علاقته مع القاضي تتمثل في = إجابة دعوته والإجابة على أسئلته ومخاصمة خصمه إليه.
شرح التوصيف:
فقولنا : إجابةً = بالنظر إلى ظاهره فهو لم يذهب من تلقاء نفسه أو من غير دعوة.
وقولنا : للفصل = ترجع لحقيقة الدعوة لأنها بغرض الفصل بينه وبين خصمه.
ومخاصمته إلى القاضي = أي مخاصمة خصمه إلى القاضي وهي تكذيبه لخصمه وجداله معه  للحصول على حكم القاضى (البراءة) أو إثبات الحق له.
إلى القاضي = لكون أن هذه المخاصمة ليست مع الخصم فقط فقد أرتبطت المخاصمة بـــ:
أولاً : رفع الدعوى من المدعِى إلى القاضي(الشكوى).
ثانياً: دعوة القاضي للمُدعَى عليه للفصل بين الــمُدعِى رافع الدعوى وبين الـمُدعَى عليه الـمكلف بالحضور.
ثالثاً: إستجابة الـمُدعَى عليه لدعوة التحاكم الى القاضي ومخاصمة خصمه إليه.
رابعاً: حقيقة الجلسة هي جلسة حُكم وتحاكم إلى غير شريعة الله ..
وإن توصيف أي فعل من الأفعال يستند إلى حقيقته في الواقع أما مسماه فيستند إلى اللغة والشرع.
فإن نظرنا بإنصاف في فعل الـــمُدعَى عليه وواقعه نجد الآتي :
_ أن ذهاب الـمُدعَى عليه الى محكمة القضاء - طائعاً مختاراً -إجابةً لدعوتها للفصل في قضيته مع خصمه ومخاصمة خصمه إلى الحاكم ،فيُثبت حقه أو بيرئ نفسه بموجب هذا الحكم الطاغوتى. وبإجابته للدعوة الموجهة إليه من المحكمة تكون قد تحققت عنده إرادة رد النزاع إلى الطاغوت وبمخاصمة خصمه للقاضى يكون قد تحاكم للطاغوت وهذا يوضحه :
_ أن هذه الجهة مهمتها الفصل في النزاعات بالقانون الوضعي .
_ أنه لايشترط للذاهب إليها سواء  كان مُدعِى أو مُدعَى عليه أن يصرح لهم برضاه بحكمهم أو يصرح بأنه يطلب حُكمهم.بل  إن مجرد ذهابه  إليها _للفصل فى النزاع_ يعتبر قرينة ظاهرة على رضاه وقبوله بها كجهة للفصل والحكم.وهذا سنبينه لاحقاً باذن الله.
_ أن الـمُدعى عليه _ يخاصم خصمه إلى القاضى_ بتكذيب خصمه وتجريمه إلى القاضى، وواقع المحاكم يشهد بأن المدعى عليه يخاطب القاضى وليس المدعى..
============

حكم إجابة دعوة التحاكم:

بعد توصيف الفعل نأتى لحكمه الشرعى :
يقول تعالى فى بيان حكم إجابة دعوة التحاكم:( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا ).
جاء فى تفسير الطبرى للآية:
القول في تأويل قوله: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً(61) }
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: ألم تر، يا محمد، إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك من المنافقين، وإلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل من قبلك من أهل الكتاب، يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت ="وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله"، يعني بذلك:"وإذا قيل لهم تعالوا"، هلُمُّوا إلى حكم الله الذي أنزله في كتابه، وإلى الرسول ليحكم بيننا ="رأيت المنافقين يصدون عنك"، يعني بذلك: يمتنعون من المصير إليك لتحكم بينهم، ويمنعون من المصير إليك كذلك غيرهم ="صدودًا").اهـ 
فنقول أن الأحكام تُبني على الظاهر والتحاكمُ وعدمه _الإعراض عنه _ فعلٌ ظاهر، وان صدود المنافقين عن حكم الرسول صلى الله عليه وسلم كان بالإمتناع وعدم المصير إلى الرسول صلى الله عليه وسلم،وعلى هذا فإن المصير إلى الحاكم إجابة لدعوته  يُعدُّ قبولاً للتحاكم إليه وهذا يوضحه قوله تعالى عن المنافقين (فإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين) فجعل الله إذعانهم في الظاهر إذعان لحكمه وقبول له مع أنهم لم يأتوا إلا لان الحكومة لهم.
وجاء فى تفسير السمعانى : 
قَوْله تَعَالَى: {وَإِذا قيل لَهُم تَعَالَوْا إِلَى مَا أنزل الله وَإِلَى الرَّسُول رَأَيْت الْمُنَافِقين يصدون عَنْك صدودا} هُوَ مَا ذكرنَا، أَن الْمُنَافِقين دعوا إِلَى التحاكم إِلَى الرَّسُول، فأعرضوا عَنهُ، وتحاكموا إِلَى الطاغوت.اهـ
فانظر -هدانا الله وإياك -كيف جعل  دعوة المنافقين إلى حكم الرسول دعوة إلى التحاكم اليه، فيُفهم من ذلك أن الدعوة إلى حكم الطاغوت دعوة إلى التحاكم إليه وأن إعراضهم عن قبول الدعوة إعراض عن التحاكم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم  فتنبه!!
وجاء فى مفاتيح الغيب: ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً وفيه مسألتان:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: بَيَّنَ فِي الْآيَةِ الْأُولَى رَغْبَةَ الْمُنَافِقِينَ فِي التَّحَاكُمِ إِلَى الطَّاغُوتِ، وَبَيَّنَ بِهَذِهِ الْآيَةِ نُفْرَتَهُمْ عَنِ التَّحَاكُمِ إِلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.اهـ
كانت رغبتهم فى التحاكم إلى الطاغوت بالدعوة إليه ،ونفرتهم عن التحاكم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصد عن الدعوة إليه وإلى حكمه صلى الله عليه وسلم .
وجاء فى تفسير  "إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم:

{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إلى مَا أَنزَلَ الله وَإِلَى الرسول} تكملةٌ لمادة التعجيبِ ببيان إعراضِهم صريحاً عن التحاكم إلى كتاب الله تعالى ورسولِه إثرَ بيانِ إعراضِهم عن ذلك في ضمن التحاكُمِ إلى الطاغوت. اهـ 
جعل  إعراضهم وصدهم عن الدعوة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تصريح عن إعراضهم عن التحاكم له صلى الله عليه وسلم.فعلى هذا أن من أعرض عن الدعوة إلى الطاغوت فقد أعرض عن التحاكم له ومن اجاب الدعوة قد رضى وقبل.
جاء في تفسير :مدارك التنزيل وحقائق التأويل:
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا (61)
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ} للمنافقين {تَعَالَوْاْ إلى مَا أَنزَلَ الله وَإِلَى الرسول}
للتحاكم {رَأَيْتَ المنافقين يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً} يعرضون عنك إلى غيرك ليغروه بالرشوة فيقضي لهم .اهـ
وجاءت آية النور "48" لتعضد نفس المعنى :
قال تعالى:( وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ *وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ ) النور48-49
" أي وإذا كانت الحكومة لهم لا عليهم جاءوا سامعين مطيعين وهو معنى قوله "مذعنين" ، وإذا كانت الحكومة عليه أعرض ودعا إلى غير الحق وأحب أن يتحاكم إلى غير النبي صلى الله عليه وسلم ليروج باطله ، ثم فإذعانه أولا لم يكن عن اعتقاد منه أن ذلك هو الحق بل لأنه موافق لهواه ولهذا لما خالف الحق قصده عدل عنه إلى غيره " .اهـ نقلا
فانظر إلى صور إجابة الداعي أو الإعراض عنه كعلامة ظاهرة على القبول أو الرفض .
- فلا فرق بين الطالب والداعي و بين الذي يأتي المحكمة مذعناً والذي يأتيها –بعد الدعوة_ مذعناً في علامة قبولهم التحاكم ظاهراً.
جاء فى تفسيرالطبرى:

يقول تعالى ذكره: ويقول المنافقون: صدّقنا بالله وبالرسول، وأطعنا الله وأطعنا الرسول (ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ) يقول: ثم تدبر كلّ طائفة منهم من بعد ما قالوا هذا القول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتدعو إلى المحاكمة إلى غيره خصمها (وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ) يقول: وليس قائلو هذه المقالة، يعني قوله: (آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا) بالمؤمنين؛ لتركهم الاحتكام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإعراضهم عنه إذا دعوا إليه. وقوله: (وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ) يقول: وإذا دعي هؤلاء المنافقون إلى كتاب الله وإلى رسوله (لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ) فيما اختصموا فيه بحكم الله (إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ) عن قبول الحقّ، والرضا بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم. اهـ
فإعراض المنافقين عن حكم الرسول صلى الله عليه وسلم وعدم الرضا به كان بعدم قبولهم الدعوة وبعدم مصيرهم لحكمه. وان قبولهم الدعوة –لحكم الرسول – رضا بحكمه صلى الله عليه وسلم.فيكون على هذا قبول دعوة الطاغوت رضا بحكمه
وجاء فى الهداية إلى بلوغ النهاية:
ثم قال تعالى: {وَإِذَا دعوا إِلَى الله وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ}، يعني هؤلاء المنافقين إذا دعوا إلى كتاب الله، وإلى رسوله ليحكم بينهم فيما اختصموا فيه بحكم الله {إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ مُّعْرِضُونَ}، أي: يعرضون عن قبول الحق. ثم قال تعالى: {وَإِن يَكُنْ لَّهُمُ الحق يأتوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ}، أي: إن يكن لهؤلاء المنافقين حق قِبَلَ الذين يدعونهم إلى كتاب الله يأتون إلى رسول الله منقادين لحكمه طائعين غير مكرهين.
يقال: أذعن فلان بالحق إذا أقر به طائعاً.اهـ 
أنظر كيف جُعل  الإعراض عن المجئ الى حكم الرسول هو إعراض عن قبول الحق !!! وهو قوله :( أي: يعرضون عن قبول الحق) فيكون الإذعان والمجئ إلى حكم الرسول دليل على قبول الحق، فكيف يقال أن الإذعان والمجئ إلى حكم غير الله ورسوله ليس قبولاً لهذا الحكم ؟؟
مع أن قبول الدعوة لحكم الرسول صلى الله عليه وسلم  من قبل المنافقين حال كون الحق معهم ،سُمى هذا الفعل منهم إذعان أى إنقياد لحكم الرسول صلى الله عليه وسلم .
وفى تفسير السمعانى :
قَوْله تَعَالَى: {وَإِذا دعوا إِلَى الله وَرَسُوله ليحكم بَينهم} الحكم فصل الْخُصُومَة بِمَا توجبه الشَّرِيعَة.
قَوْله: {إِذا فريق مِنْهُم معرضون} أَي: عَن الْحق، وَقيل: عَن الْإِجَابَة، وَالْآيَة تدل على أَن القَاضِي إِذا دَعَا إِنْسَان ليحكم بَينه وَبَين خَصمه، وَجَبت عَلَيْهِ الْإِجَابَة.اهـ

فالإعراض عن الحكم دلالته الإعراض عن المجئ !! فيكون الإذعان بالمجئ دلالة الرضا بالحكم.فالإذعان بالمجئ لحكم الطاغوت دلالة الرضا بحكمه.
 
ف{ مُذْعِنِينَ } أي منقادين طائعين لقصد الوصول إلى حقوقهم .اهـ

وبعد بيان حال المنافق وإعراضه عن إجابة الدعوة إلى حكم الرسول صلى الله عليه وسلم يبين سبحانه وتعالى حال المؤمن وإجابته الدعوة إلى حكم الله ورسوله فيقول تعالى : :( إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) النور51
فالمؤمن بالله إذا دُعي إلى حكم الله ورسوله ليحكم بينه وبين خصمه سمع وأطاع باطناً وظاهراً , ولكن إذا دعاه الطاغوت ليحكم بينه وبين خصمه كفَرَ به وأعرض عنه وعصاه .

(وفي هذه الآية دليل على وجوب الإجابة إلى القاضي العالم بحكم الله العادل في حكمه لأن العلماء ورثة الأنبياء والحكم من قضاة الإسلام العالمين بحكم الله العارفين بالكتاب والسنة العادلين في القضاء هو حكم بحكم الله وحكم رسوله فالداعي إلى التحاكم إليهم قد دعا إلى الله وإلى رسوله : أي إلى حكمهما

فواجب على كل من دعي إلى مجلس الحاكم أن يجيب ما لم يعلم أن الحاكم فاسق.
"سبحان الله !. فكيف إذا كان الحاكم كافراَ؟!!!"

قال القرطبي : في هذه الآية دليل على وجوب إجابة الداعي إلى الحاكم لأن الله سبحانه ذم من دعي إلى رسوله ليحكم بينه وبين خصمه  فلم يجب بأقبح الذم فقال : { أفي قلوبهم مرض } الآية اهــ    فإن كان القاضي مقصرا لا يعلم بأحكام الكتاب والسنة ولا يعقل حجج الله ومعاني كلامه وكلام رسوله بل كان جاهلا جهلا بسيطا وهو من لا علم له بشيء من ذلك أو جهلا مركبا وهو من لا علم عنده بما ذكرنا ولكنه قد عرف بعض اجتهادات المجتهدين واطلع على  شيء من علم الرأي فهذا في الحقيقة جاهل وإن اعتقد أنه يعلم بشيء من العلم فاعتقاده باطل فمن كان من القضاة هكذا فلا تجب الإجابة إليه لأنه ليس ممن يعلم بحكم الله ورسوله حتى يحكم به بين المتخاصمين إليه بل هو من قضاة الطاغوت وحكام الباطل فإن ما عرفه من علم الرأي إنما رخص في العمل به للمجتهد الذي هو منسوب إليه عند عدم الدليل من الكتاب والسنة ولم يرخص فيه لغيره ممن يأتي بعده )اه نقلا

"سبحان الله !. فكيف إذا كان الحاكم كافراَ؟!!!"
وجاء في اللباب في علوم الكتاب لأبي حفص عمر بن علي ابن عادل الدمشقي الحنبلي
قوله : ( إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُو ا إِلَى اللَّهِ ( أي : إلى كتاب الله ) وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ( وهذا ليس على طريق الخبر ، ولكنه تعليم أدب الشرع ، بمعنى أن المؤمنين ينبغي أن يكونوا هكذا ، ) أَن يَقُولُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ( أي : سمعنا الدعاء وأطعنا بالإجابة.) اهـ
تأمل (أطعنا بالإجابة) فإنه ظاهر في أن إجابة الدعوة طاعة, فإما أن تكون طاعة وإذعان لحكم الله أو طاعة وإذعان لحكم الطاغوت.
قال الطبري في تفسيره : إنـما كان ينبغي أن يكون قول الـمؤمنـين إذا دُعُوا إلـى حكم الله وإلـى حكم رسوله، {لِـيَحْكُمَ بَـيْنَهُمْ } وبـين خصومهم {أنْ يَقُولُوا سَمِعْنا } ما قـيـل لنا، { وأطَعْنا } من دعانا إلـى ذلك. اهـ 
جعل الطبري إجابة الدعوة طاعة والدعوة كانت للتحاكم بنص قوله (ليحكم بينهم) فمن أطاع يكون قد أطاع في الدعوة وهي (التحاكم) فتكون طاعته بقبول التحاكم وكذلك إجابة دعوة الطاغوت (للحكم بينك وبين خصمك) تسمى طاعة في قبول التحاكم.
والخلاصة من هذه الآيات والتفاسير  الآتي :
1/ أن الدعوة إلى محكمة الإسلام في فض النزاع دعوة إلى التحاكم لله.
2/ أن الدعوة إلى محكمة الطواغيت في فض النزاع دعوة إلى التحاكم للطاغوت.
3/ أن القرينة الظاهرة لقبول حكم الله أو حكم الطاغوت هي الإجابة والمجئ إلى مجلس التحاكم .
4/ أن القرينة الظاهرة لرفض حكم الله أو حكم الطاغوت هي الإعراض وعدم المجئ إلى مجلس التحاكم.
5/أن الآيات بيّنت هذه الأمور إذا تأملناها جيداً وكنا منصفين مع أنفسنا إذ أن الله مدح المؤمنين لإجابتهم ووصفهم بالفلاح وذم المنافقين لإعراضهم ووصفهم بالمعرضين.
ولا فرق بين أن تكون الدعوة موجهة من الخصم-أى ان الخصم من دعا خصمة للتحاكم- أم من القاضى  – أى ان الخصم رفع الشكوى للقاضى ،فالقاضى يستدعى المتهم ليفصل بينهما-لأن الآيات ربطت الحكم بجهة الفصل فالتحاكم لشرع الله إيمان بالله والتحاكم للطاغوت كفر بالله. 
و ننبه القارئ الكريم أن الاستدلال بالآيات في المسألة من باب تحديد الشريعة للمسميات والأوصاف الشرعية ،فنأخذ منها أن إجابة الدعوة تعد قبوﻻً للتحاكم ،والإعراض عن الإجابة تعد رفضاً للتحاكم ، أما حكم من اجاب الدعوة _دعوة محكمة الطاغوت_ فهو ثابت ومتقرر بالآيات التى قررت كفر المتحاكم للطاغوت حتى لا يقول قائل أننا حكمنا بكفر من أجاب دعوة محكمة الطاغوت بناءاً على مفهوم المخالفة . فنقول اننا لم نُعمِل مفهوم المخالفة فى المسألة ،فالنصوص دلت بظاهرها على أن إجابة الدعوة قبول للتحاكم ودلت على أن من تحاكم للطاغوت كفر بالله .فتدبر النصوص يرحمك الله.
_______________
*ليس معنى النقل عن شخص بان الحكم باسلامه متحقق !!

مناط كفر الـمُدعَى عليه
******************
المُدعى عليه الـمُستجيب لجلسة حكم الطاغوت قد وقع في عدة مناطات كفرية وهي :

1/ الطاعة فى الكفر :

الدعوة من القاضى الموجهة إلى الـمُدعَى عليه (الـمُشتكَى) دعوة للحكم والتحاكم بغير ما أنزل الله ، دعوة التحاكم إلى الطاغوت (القوانين الوضعية) ،أنها دعوة  للكفر بالله فالـمُدعَى عليه إن لبــى هذه الدعوة طائعاً مختاراً  يكون كافراً للطاعة في الكفر، والطاعة في الكفر كفر كما هو مُقرر بالنصوص الشرعية كما في قوله تعالى:(إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (25) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ) محمد 25-26
وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (149) بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ) آل عمران149 
ولا ملاذ لكم ولا مهرب من هذا الحُكم الربّاني إلا بأن تنكروا  حقيقة الدعوة وحقيقة حُكمها ،فالواقع والحس يُبيّن أن هولاء الطواغيت يحكمون شريعة الشيطان ويجعلونها حاكمة ومقدسة لكل أحد ومفاد الدعوة المُقدمة إليك ياعبد الله أنها (( دعوة للتحاكم إلي شريعة الطاغوت في قضية أنت طرف فيها)) وفي إعتقادك أن التحاكم إلى الطاغوت كفر، فكيف تجوز الإجابة إلى داعي الكفر !! ولايجوز هنا التفريق بين من دعاك إلى عبادة الوثن بالطواف حوله ودعائه وبين من دعاك الى عبادة القوانين الوضعية بالتحاكم إليها فلافرق بين شرك النسك وبين شرك الُحكم.

2/ قبول حكم الطاغوت:
 
مناط كفر الـمُدعَى عليه الـمُستجيب إلى جلسة حكم الطاغوت الثانى قبوله التحاكم إلى الطاغوت، وهي الجهة القضائية التي تفصل فى النزاعات بين الناس. ودليل قبول المــُدعَى عليه لحكم الطاغوت إجابته دعوة التحاكم طائعاً مختاراً فيكون بهذه اﻹجابة قد قبل حكم الطاغوت، وإن لم يصاحب هذه الإجابة إعتقادٌ بأحقية الجهة-الطاغوتية- فى الفصل بين المتنازعين كما فى قوله تعالى : ( وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم اذا فريق منهم معرضون وان يكن لهم الحق يأتوا اليه مذعنين).
يقول ابن كثير  : ( وإذا كانت الحكومة لهم لا عليهم ، جاؤوا سامعين مطيعين وهو معنى قوله : { مُذْعِنِينَ } وإذا كانت الحكومة عليه أعرض ودعا إلى غير الحق ، وأحب أن يتحاكم إلى غير النبي صلى الله عليه وسلم ليروج باطله ثَمّ. فإذعانه أولا لم يكن عن اعتقاد منه أن ذلك هو الحق ، بل لأنه موافق لهواه ؛ ولهذا لما خالف الحقّ قصده ، عدل عنه إلى غيره)ا ه.
هؤلاء المنافقين لم يعتقدوا أحقية الرسول صلى الله عليه وسلم فى الحكم  بل كانوا يأتون إليه فقط عندما يكون الحق لهم لعلمهم انه يحكم بالحق اى انهم يأتون اليه  لتحصيل حقوقهم من خصومهم ومع ذلك سمتهم الاية (مذعنين ) قال الزجاج الإذعان الإسراع مع الطاعة يقال أذعن لى بحقى أى طاوعنى لما كنت ألتمس منه وصار يسرع إليه وبه قال مجاهد وقال الأخفش وابن الأعرابي مذعنين مقرين وقال النقاش مذعنين خاضعين)ا ه.
فنقول ان من ذهب للقاضى ليحصل على حكمه وإن لم يعتقد بأنه له الحق فى الحكم بين الناس وأن شرعه باطل انما ذهب فقط للحصول على حقه بحكم القاضى فقد أذعن وخضع واقر  للطاغوت بحق الحكم .
قال الله تعالى : " أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا  "
جاء في تفسير  الرازي لهذه الآية ما نصه : " المسألة الثالثة : مقصود الكلام أن بعض الناس أراد أن يتحاكم إلى بعض أهل الطغيان ولم يرد التحاكم إلى محمد صلى الله عليه وسلم قال القاضي : ويجب أن يكون التحاكم إلى هذا الطاغوت كالكفر ، وعدم الرضا بحكم محمد عليه الصلاة والسلام كفر ، ويدل عليه وجوه : الأول : انه تعالى قال : { يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطاغوت وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ } فجعل التحاكم إلى الطاغوت يكون إيمانا به ، ولا شك أن الإيمان بالطاغوت كفر بالله ، كما أن الكفر بالطاغوت إيمان بالله . الثاني : قوله تعالى : { فَلاَ وَرَبّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حتى يُحَكّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ } إلى قوله : { وَيُسَلّمُواْ تَسْلِيماً }  , وهذا نص في تكفير من لم يرض بحكم الرسول عليه الصلاة والسلام " اهـ.
فتأمل  فى بيان أن التحاكم الى الطاغوت كفر وأن عدم الرضا بحكم الرسول كفر آخر مجرد بذاته، وعلى هذا يكون قبول حكم الطاغوت كفراً  لذاته وإن لم يتحاكم إليه.

ونحن نسأل مخالفينا الذي يرون أن إجابة الـمُدعَى عليه لدعوة محكمة الطاغوت لفض النزاع –التحاكم- بينه وبين خصمه ومخاصمة خصمه إليه  ليست قبولاً لحكم الطاغوت وليست تحاكماً:
هل تقبلون تبرئة الطاغوت لكم مُقابل حُكمه على خصومكم ؟؟ مع العلم أن البراءة نفسها حُكم بنزاهة المتهم يصدره القاضي!!
وكيف لاتقبلون نتيجة حُكم الطاغوت وأنتم ترون أن مخاصمة الخصم إليه أمراً مباحاً ؟؟ يلزمكم جوابين أحلاهما مر :
إما أن تُقرروا صراحة بقبول حُكم الطاغوت ..
وإما أن ترجعوا عن قولكم أن إجابة دعوة الطاغوت لجلسة حُكمه للفصل بينكم وبين خصومكم فعلاً مباحاً .. فأختاروا لأنفسكم طريقاً ..

3/ التحاكم إلى الطاغوت:

التحاكم للطاغوت كفر بالله ، والتحاكم كما بينّا هو رد النزاع إلى جهة الفصل فيه ،فعند رد النزاع إلى الطاغوت يكون الكفر بالله ،وهذا الرد ليس مختص بالــــمُدعِى دون الــــمُدعَى عليه فكل من قبل بالطاغوت ليحكم له فى نزاعه يكون قد ردّ له النزاع قال تعالى : ( فلا وربك لايؤمنون حتى يحكموك فى ما شجر بينهم ...)  جاء فى تفسير جامع البيان: (حَتَّىٰ يُحَكّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ } يقول: حتى يجعلوك حكماً بينهم فيما اختلط بينهم من أمورهم، فالتبس عليهم حكمه) 
جاء فى التفسير لهذه الاية (حَتَّىٰ يُحَكّمُوكَ } أي: يجعلوك حكماً بينهم في جميع أمورهم لا يحكمون أحداً غيرك وقيل: معناه: يتحاكمون إليك) ا ه
قال تعالى: (افغير الله ابتغى حكما) جاء فى تفسير القران الكريم لابن كثير (قول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم قل لهؤلاء المشركين بالله، الذين يعبدون غيره: { أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْتَغِى حَكَماً } أي: بيني وبينكم)

والمُستجيب لدعوة حكم الطاغوت والمخاصم خصمه إلى الحاكم قد جعل الطاغوت حكماً بينه وبين خصمه فلايشترط أن يقول للطاغوت أحكم بيني وبين خصمي وهو مادُعِي إلا ليُحكَم بينه وبين خصمه.

=============

*وللمخالفين شبهة وهى قولهم بأن المتهم ما ذهب للمحكمة إلا دفعاً للظلم الذى قد يقع به  فنقول:
  إن الدفاع الشرعى  هو واجب الإنسان في حماية نفسهِ أو نفس غيرهِ ، وحقهِ في حماية مالهِ أو مال غيرهِ من كل إعتداء "حال" غير مشروع بالقوة اللازمة لدفع هذا الإعتداء ، والأصل في ذلك قولهُ تعالى : ( فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ ) البقرة194 .
والحديث :" من قُتل دون دمهِ فهو شهيد ، ومن قُتل دون دينهِ فهو شهيد " .                                   
وسواء كان هذا الصائل فرداً واحداً أو جماعة مُنظمة أو غير منظمة  .
وهذا الدفاع له شروط حتى يكون شرعيّاً منها:
1- أن يكون هناك إعتداء أو عدوان حقيقي وليس توهم.
2- أن يكون هذا الإعتداء حالاً أي واقعاً بالفعل أو ظهرت بوادره ..
3- أن يدفع الإعتداء بالقوة اللازمة لدفعهِ دون تجاوز أي دون زيادة .
هناك عدة طرق لدفع الظلم الواقع على المسلمين والتي من أبرزها الفرار والهجرة المشروعة عند الخوف على النفس ، أو المال ، أو العرض كذلك هناك طريقة بذل الأموال في سبيل دفع الظلم الناتج من الظلمة ، وهذا ما يسمى ؛ بذل الدنيا من أجل الدين ، وقد يدفع الظلم بالقوة عن طريق القتال ، أو الإشتباك وغيرها ، وكذلك الإستعانة بالغير الإستعانة الشرعية ، وكذلك بالحيل الشرعية .
أما عن الدفع بالوسائل غير الشرعية  في الحيل الغير شرعية لإسترجاع الحقوق :
[ أن يقصد بالحيلة أخذ حق أو دفع باطل لكن يكون الطريق نفسه محرما ً، مثل أن يكون له على رجل حق مجحود فَيُقِمُ شاهدين " زور" لا يعلمانه فيشهدان به ِ، فهذا محرم عظيم عند الله قبيح لأن ذينك الرجلين شهدا بالزور حيثُ شهدا بما لا يعلمانهِ وهو حملهماَ على ذلك ] أهـ نقلا  .
وكذلك من الطرق الغير الشرعية الإستعانة " بالمحاكم الكفرية " لإسترداد الحقوق أو دفع الظلم  ، لِماَ في ذلك من الإستعانة المباشرة بالقوانين الوضعية ، والدخول تحت هيمنة القانون والإعتراف بهِ والإقرار عليهِ ، وكيف لا ؟! ونحن مطالبين إبتداء بالبراءة من هذه المحاكم ومن قوانينها  ودساتيرها ورفض الرجوع إليها ولو في جُزئية واحدة من التشريع ، لأن ذلك إعتراف بشرعية هذه المحاكم والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يقول :" من كره فقد برئ ، ومن أنكر فقد سلم ، ولكن من رضى وتابع "  الحديث  .

أمثلة للدفاع الشرعى :
واقعة يوسف عليه السلام ، في قوله تعالى :(قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي ) الآية
دفع إتهامهِ بالزنى . 
  واقعة إخوة يوسف عليه السلام ، في قولهم : ( قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ ) الآية , دفعوا إتهامهم بالسرقة .
حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لو أن أمرء إطلع عليك في بيتك بغير إذن فحذفتهُ ففقأت عينهِ لم يكن عليك جناح"
إن صورة المدافع عن نفسه أمام الطاغوت بدون تحاكم أن تكون خصومة بينه وبين خصمه والطاغوت ليس طرف فيها وإنما يشاهد ذلك فقط فيكون وجوده كعدمه ،والفرق واضح بين المخاصمة أمام الطاغوت وبين المخاصمة إليه ،فالمخاصمة أمامه لا يعد هو طرف فيها ،أما المخاصمة إليه فهو طرف رئيسى فى العملية-التحاكم-  ،والمخالف يُصور حال ليستدل به على حال آخر فتنبه !!

ملاحظة : من المُلاحظ أن هذا الباب " دفع الصائل " ليس مما نحن فيه ، نعم المسلم مطالب بدفع الظلم عن نفسهِ ما أمكن ولكن بالطُرق الشرعية ، والتي منها الاستعانة بالمحاكم الشرعية لإسترجاع حقهِ أو الإستعانة بذوى السلطان لدفع الظلم عن نفسهِ .
ولكن يجب أن يُراعى دائماً الطرق والأساليب الشرعية لدفع الصائل ، وخصوصاً في مثل واقعنا لظهور الفتن وكثرة الظلم الواقع على المسلمين وذلك من حكمة الله عز وجل وإبتلائه لعبادهِ المسلمين ، قال تعالى : ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنْ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ  ) البقرة 155

فنقول للمخالفين :الحق أنكم  بذهابكم للمحاكم الكفرية لم ولن تبرءوا أنفسكم وإنما تطلبون البراءة من الطاغوت، وليس شرطاً أن يقول المُدعى عليه للطاغوت أطلب منك أن تبرئنى ،وإنما من جرم خصمه ودافع عن نفسه في جلسة حكم وتحاكم فقد طلب البراءة من هذه الجهة أيّاً كانت ،والبراءة هي حكم القاضي أو الحاكم بنـزاهة وخلاص المتهم في القضية فمن طلب البراءة فقد طلب الحُكم .
و المتهم إما أن تثبت إدانتهُ طبقاً للقوانين واللوائح المعمول بها ، وإما أن تثبت براءتهُ مما نسب إليهِ ، وذلك طبقاً وموافقة للقوانين الصادرة .

أما بالنسبة لطلب البراءة الذي لا يُعَد تحاكم ، وليس فيهِ إعتراف بشرعية قانون أو محكمة ..؛كحادثة يوسف عليهِ السلام عندما طلب تبرئتهُ أمام الناس قبل خروجه من السجن ، ليخرج معززاً ومكرماً ، وهو طلب نزاهة ، والفرق بيّن وواضح وذلك عندما تتبين كل صورة على وجهها الصحيح . فليس من يطلب براءته في صورة محكمة ، وقاضي ، وخُصوم ، وقانون مطبق ، وجاهز لإخضاع الناس إليه وإقرارهم عليهِ ، مع الخضوع وعدم الإنكار .. كمن يطلب مجرد التبين من حالهِ وكونه سُجنَ ظُلماً
. فيجب التفريق بين الحالتين وتنـزيل كُل حالة منزِلتها  بالرجوع للأصول ، وبربطها بالقواعد الكُلية ، وإلا فهو الغبش والزيغ والضلال ولاسيما أنهُ زيغ في أصول الدين .
وأن المُدعى عليه لايبرئ نفسه هو بل يبرأه القاضي الذي يمثل أمامه ليجيب عن أسئلته.
فهل يقول عاقل فضلاً عن مسلم أن المُدعَى عليه الذي تبلغه دعوة حضور وتكليف من محكمة قضاء للفصل بينه وبين خصمه فيلبيّ الدعوة طائعاً مختاراً ويخاصم خصمه إلى القاضي ليثبت أنه مظلوم وأن خصمه أدعى عليه ظلماً وينصت إذا طُلب منه الإنصات ويجيب إذا سُئل، بأنه غير متحاكم إلي هذه المحكمة القضائية التي ما أُسست إلا للقضاء بين الناس والفصل في خصوماتهم!!!
____________________
* ليس معنى النقل عن شخص الحكم باسلامه

بيان خطأ إستدلال المخالفين
**********************
بعد أن بيّنا تعريف التحاكم وان المـــُدعى عليه المـستجيب لجلسة حكم الطاغوت يكون متحاكماً لغة ً وشرعاً سنتناول في هذا الفصل _ بإذن الله تعالى _ الرد على ما أستدل به المخالفون في هذه المسألة.

نقاط على الطريق:
==========
النقطة الأولى :
إن الدليل الصحيح الذي يكون حجة وبرهان على المخالف -في تقرير أحكام الكفر والإيمان- هو النص القطعي في ثبوته ودلالته ،وهو الذي يتضح معناه بمجرد تلاوته. فأما المؤول والـمستنبط منه فليس بدليل مستقل في الإصول وهو بمنزلة المتشابه في باب الكفر والإيمان
جاء في كتاب الاعتصام: "فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله" وقد علم العلماء أن كل دليل فيه اشتباه وإشكال ليس بدليل في الحقيقة ، حتى يتبين معناه ويظهر المراد منه .ويشترط في ذلك أن لا يعارضه أصل قطعي . فإذا لم يظهر معناه لإجمال أو اشتراك أو عارضه قطعي كظهور تشبيه ، فليس بدليل ، لأن حقيقة الدليل أن يكون ظاهراً في نفسه ، ودالاً على غيره ، وإلا احتيج إلى دليل ، فإن دل الدليل على عدم صحته فأحرى أن لا يكون دليلاً " اهـ .

قال تعالى : ( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ ) فالصحيح الرجوع إلى محكم النصوص عند ورود إشكال فالتمسك بالمحكم هو طريق الفوز والنجاة من الخُسران ومتّبع المتشابه مذموم
جاء في تفسير هذه الآية:
( يخبر تعالى أن في القرآن آيات محكمات هن أم الكتاب أي : بينات واضحات الدلالة لا التباس فيها على احد ، ومنه آيات أخر فيها اشتباه في الدلالة على كثير من الناس أو بعضهم فمن ردٌ ما اشتبه إلى الواضح منه وحكٌم محكمه على متشابهه عنده فقد اهتدى ، ومن عكس انعكس ، ولهذا قال تعالى"( هُنَّ أُمُّ الْكِتَاب ِ) أي : أصله الذي يُرجع إليه عند الإشتباه ، وقوله تعالى : ( وَأُخَرُ مُتَشَابِهَات ٌ) أي : تحتمل دلالتها موافقة المحكم وقد تحتمل شيئاً آخر من حيث اللفظ والتركيب لا من حيث المراد) اهـ
وفي قضيتنا ,وهي رد الأمر عند التنازع إلى شريعة غير شريعة الله والذي جاءت النصوص المتواترة بكفر مرتكبهِ بل نقل العلماء الإجماع بين المسلمين على ذلك ، وهذا شأن القواعد الكلية في كونها لاتستند إلى آحاد الأدلة بل تتكرر النصوص وتتواتر عليها  الأدلة حتى تتقرر وتنتشر فتتأكد ويؤتى بها شواهد على معان أصولية فلا تتطرق إليها الإحتمالات، وبهذا أختلفت القواعد "الكلية" القطعية عن الأحكام "الجزئية" المحتملة.
وبما أن أصلنا هو التحاكم إلى شرع الله  وهو أصل قطعي بل هو أصل الأصول ، ولا يشك أحد في قطعيتهِ ، لذلك فدخول التخصيص عليه من المـــــحال ، ولو وجد ما يعارضهُ من شبه تخصيص أو إستثناء فلا بد لنا من التأويل أو الطرح  .. فإن في حقيقة الأمر لا يمكن التعارض في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا أيضاً أصل ثابت عند عُلماء الأمة وفي الفصول السابقة  قد بيّنا حكم المُستجيب لدعوة حكم الطاغوت  ومناط كفره ،فيجب تأويل كل دليل به إشتباه في المسألة لمحكم النصوص التي قررنا بها عدم جواز ذلك.

النقطة الثانية:
لم يرد نصٌ صحيح ولا برهانٌ صريح  يُقرر _ جواز ذهاب الموحد لمحاكم الطاغوت عند طلبه لفض النزاع بينه وبين خصمه ومخاصمة خصمه إلى الطاغوت _ كما يُقرر المخالفون وكل مايوردنه لايدُل على المسألة سوى إشتراك وتداخل بعض المصطلحات مع بعضها البعض من حيث اللفظ والتركيب لا من حيث المعني والحقيقة.

النقطة الثالثة:
لقد قررنا في بداية المبحث ماهية التحاكم وبيّنا أن المخاصم خصمه الى الحاكم متحاكم لغةً وشرعاً فعلى الحريص للهداية وإتباع الحق أن يستمسك بالتأصيل والتقرير العلمي المنضبط للمسألة لا أن يتوه مع إجتهادات بعض الناس التي تخالف ظاهر النصوص فالقاعدة تقول لا إجتهاد مع النص.
========
========

الإستدلال الأول :

مما أستدل به المخالفون حادثة يوسف عليه السلام مع إمراة العزيز التي وردت في قوله تعالى :
(وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24) وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (25) قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (26) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (27) فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28) يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ (29)) يوسف 23-29
قال المخالفون : أن هذه  الحادثة كانت صورة محكمة  ويوسف عليه السلام مُدعى عليه عند الحاكم الكافر فبرأ  عليه السلام نفسه من التهمة.

نقول وبالله التوفيق والسداد:
أولاً:
ماهو البرهان القاطع على أن هذه الصورة كانت صورة محكمة !!
فقولكم أنها صورة محكمة مجرد إدعاء يفتقد البرهان فإنما تثبت الدعاوى بالبراهين .. وأنتم أوردتم الآيات وقررتم ما قررتم من غير أن تبيّنوا وجه الإستدلال من الآيات !!فقولكم أن  هذه الحادثة كانت صورة تحاكم تكلّف واضح
مشهد الحادثة-كما ذكرته الآيات- يتلخص في الآتي :
1/ سيدة في قصرها ترواد فتاها عن نفسه فيأبي ويهرب منها فتلاحقه لتغلق الباب دونه.
2/تجذبه من قمصيه فتقده وفجأة يظهر زوجها عند الباب.
3/ في مكرٍ ودهاء غير محمود تُلمّح لزوجها بأن هذا الفتى روادها عن نفسها .
4/ والمرأة –صاحبة القصر والسلطة- تحدد العقاب إما السجن أو الضرب .
5/ يصرح المتهم بدفع هذه الفرية بأنه برئ وأن هذه السيدة هي التي راودته عن نفسه.
6/ زوجها أحتاج لخبير حتى يعلم الصادق من الكاذب فأستشار حكيم.
7/ الحكيم بحكمته ودهائه يضع معالم واضحة لمعرفة الجاني من المجني عليه  .
8/ فيتضح حسب حكم  الخبير صدق الفتي وكذب السيدة.
9/  يأمر الزوج الفتي بالسكوت عن الأمر وأن لايُخبر أحداً بالقصة ويأمر زوجته بالإستغفار من ذنبها ..
هذا هو مشهد الحادثة بإختصار ..
فهل فى هذا المشهد الذى بينته اﻵيات تحاكم؟؟
ثانياً:
أركان التحاكم  ثلاثة :
وبرهان ذلك من شريعة ربنا قوله تعالى : (فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ )
أ/ طرفان متنازعان.
ب/ قضية متنازع فيها.
ج/جهة ثالثة يُرفع ويُرد إليها النزاع.
وماعدا ذلك لايُعد تحاكماً
قوله تعالى فَإِن تَنَازَعْتُمْ   =  نزاع بين شخصين او أكثر
فِي شَيْءٍ   =  قضية متنازع فيها
فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ   =  جهة ثالثة وهي بالضرورة غير الطرفين المتنازعين.
فبالنظر إلى حادثة يوسف عليه السلام نجد أنها لم تتوفر فيها أركان التحاكم وقد توفر فيها كل من:
1/ يوسف عليه السلام كطرف.
2/ إمراة العزيز وزوجها كطرف.
فلم يكن هناك جهة ثالثة رُد إليها النزاع،  والعزيز لم يكن حاكماً في القضية بل كان صاحب القضية  لأن شرف المرأة وعرضها هو عرض لزوجها يدافع عنه بل قد يقاتل عليه، وهو أمر  يهمه  شخصياً ولا يهم أحد في الدنيا أكثر منه . ولهذا فإن العزيز  هو خصم يوسف في هذا  الموضع  وليس طرفاً ثالثاً لأن  الأمر يخص عرضه  وشرفه. ومما يُدل على ذلك ماثبت عن نبينا صلى الله عليه وسلم قوله ( مابال رجالٌ يؤذونني في أهلي ..) في حادثة الإفك المشهورة , فهو قد نسب الأذي إلى نفسه مع أن الكلام كان عن زوجته عائشة رضي الله عنها.
وقد ذكر ابن الجوزي الاشعري تأكيداً لما ذكرنا في تفسيره حيث نقل عن وهب بن منبه قوله  : [ قال له العزيز حينئذ أخنتني يا يوسف في أهلي وغدرت بي وغررتني بما كنت أرى من صلاحك فقال حينئذ هي راودتني عن نفسي  ...]
وهذا واضح بيِّن في قولها كما حكى عنها القران " مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا" انظر إلى قولها بأهلك ولم تقل أراد بي سوءاً.
فنقول للمخالف :
من هو الحاكم في القضية ؟؟!! وماهو القانون الوضعي الذي حُكم به ؟؟ وماهي نتيجة الحُكم؟؟ !!
إن قلتم : أن العزير هو الحاكم ..
قلنا :
هل قول إمرأة العزيز لزوجها كان طلباً صريحاً للحكم ؟؟
"المرأة طلبت من زوجها العقاب بل وحددته ولم تطلب الحكم وهذا بنص الآية : ( قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)
وهل يقول الحاكم للمذنب أستغفر لذنبك !! وهل هناك حكم كهذا !!
وهل هناك حاكم يقول للمجني عليه لاتخبر أحداً !! وفي أي شريعة كان ذلك !! وبأي قانون!!
فإن قلتم : إن الحاكم كان الشاهد واستدللتم بأقوال المفسرين الذين فسروا معنى الشاهد فى قوله تعالى:(وشهد شاهد من أهلها) بالحاكم كما ورد جاء فى تفسير القرطبى : (شَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها) لأنهما لما تعارضا في القول احتاج الملك إلى شاهد ليعلم الصادق من الكاذب، فشهد شاهد من أهلها. أي حكم حاكم من أهلها، لأنه حكم منه وليس بشهادة. ا هـ  وذكر نفس المعنى غيره من المفسرين.
قلنا : 
أ/ يجوز أن يُطلق على الشاهد حاكم من الناحية اللغوية فاللفظ الذي ورد في القرآن هو كلمة (شاهد) و فسرها بعض المفسرين بحاكم من حيث أن الشاهد يطلق عليه حاكم في اللغة لكون شهادته تقطع النزاع  ومما يؤيد ما ذهبنا إليه قول ابن العربي في أحكام القرآن حول الكلام عن الآية:المسألة الأولى : قال علماؤنا : ليست هذه الشهادة من شهادات الأحكام التي تفيد الإعلام عند الحكام ، ويتفرد بعلمها الشاهد فيطلع عليها الحاكم ، وإنما هي بمعنى أخبر عن علم ما كان عنه القوم غافلين ؛ وذلك أن القميص جرت العادة فيه أنه إذا جذب من خلفه تمزق من تلك الجهة ، وإذا جذب من قدام تمزق من تلك الجهة اهـ
فابن العربي  يعتبر قول الشاهد هنا شهادة خبير وليس شهادة من شهادات الأحكام فضلاً عن كونه حاكماً.
ب/ ان العلماء اختلفوا فى تحديد ماهية الشاهد قال الماوردي في النكت والعيون عن الشاهد:
وفيه أربعة أقاويل:
أحدها : أنه صبي أنطقه الله تعالى في مهده ، قاله ابن عباس وأبو هريرة والحسن وسعيد بن جبير والضحاك.
الثاني : أنه خلق من خلق الله تعالى ليس بإنس ولا جن ، قاله مجاهد.
الثالث : أنه رجل حكيم من أهلها ، قاله قتادة . قال السدي وكان ابن عمها.
الرابع : أنه عنى شهادة القميص المقدود ، قاله مجاهد أيضاً .اهـ
ويتضح من هذا الاختلاف فى تحديد ماهية الشاهد أن المسألة محتملة وإذا ورد الإحتمال بطل الإستدلال والمحتمل ليس بحجة على الخصم كما جاء في نيل الأوطار : والمحتمل لا يكون حجة على الخصم اهـ.
وجاء في كتاب الاعتصام: "فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله" وقد علم العلماء أن كل دليل فيه اشتباه وإشكال ليس بدليل في الحقيقة ، حتى يتبين معناه ويظهر المراد منه .ويشترط في ذلك أن لا يعارضه أصل قطعي . فإذا لم يظهر معناه لإجمال أو اشتراك أو عارضه قطعي كظهور تشبيه ، فليس بدليل ، لأن حقيقة الدليل أن يكون ظاهراً في نفسه ، ودالاً على غيره ، وإلا احتيج إلى دليل ، فإن دل الدليل على عدم صحته فأحرى أن لا يكون دليلاً.اهـ
ج/ رجح  بعض من تكلم في المسألة أن الشاهد هو طفل تكلم في المهد وترجيحه دليل على بطلان قولكم بان الحادثة كانت محكمة والحاكم فيها الشاهد.
وهذا نص قوله في الشاهد: قيل: إنه طفل في المهد تكلم. قال السهيلي: وهو الصحيح للحديث الوارد في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذكر من تكلم في المهد، وذكر من جملتهم شاهد يوسف.

ثالثاً:
إن تقريركم أن إمراة العزيز خاطبته كحاكم من قولها إلا أن يُسجن باطل ، لأن ذكر السجن لايدلُ دائماً على طلب الحُكم .فقد يطلب الخصم معاقبة خصمه من غيره بدون  أن يطلب حُكمه ،مثل أن يطلب الإبن من والده معاقبة أخيه من غير أن يطلب حُكمه . فطلب العقاب غير طلب الحُكم وتأمل في قولها ( من أراد بأهلك سوء) اي : أراد بعرضك سوء أي بك فتنبه!!  ويوضح ماذكرناه ما قاله ابن كثير : [ يذكر تعالى عن العزيز وامرأته أنهم بدا لهم أي ظهر لهم من الرأي بعد ما علموا براءة يوسف أن يسجنوه إلى وقت..] البداية والنهاية ..   فهل من يُطلب منه الحُكم والتحاكم يُخاطب هكذا !!
رابعاً:
إن قول إمرأة العزيز ( إلا أن يسجن أو عذاب اليم) يُدل على أن المرأة هي صاحبة السلطة والأمر وأن العزيز لا كلمة له أمام زوجته ومما يؤكد صحة قولنا قولها في الآية التي تليها: ( وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَ مِنَ الصَّاغِرِينَ) فكيف يكون المُنازع والخصم حاكماً فالحادثة على هذا النحو تكون مسألة مروادة ومنازعة وظُلم فلا محكمة ولا تحاكم بالأساس..

خامساً:
ومن الأدلة التي تبيّن أن صورة الحادثة ليست صورة محكمة قوله تعالى : { قَالَتْ فَذٰلِكُنَّ ٱلَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَٱسَتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَآ آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِّن ٱلصَّاغِرِينَ }
{ ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ ٱلآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّىٰ حِينٍ } فهذه الآيات تبيّن الآتي :
1/تهديد ووعيد من المرأة نفسها أمام صويحباتها ليوسف عليه السلام بإن يجنح  لما أرادت منه وإلا فالسجن والصغار.
2/ عندما تبيّن للعزيز ومن معه صدق يوسف وكذب الزوجة رأوا أن يسجنوه لكي يتستروا على الخبر.
ووجه الشاهد على بطلان إدعائكم بأن الحادثة كانت محكمة :
أ/ أن سجن بوسف عليه السلام  كان لكتمان الخبر وليس نتيجة حكم.
جاء فى تفسير مفاتيح الغيب للرازى : [في قَوْلُهُ تَعَالَى ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ] وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: اعْلَمْ أَنَّ زَوْجَ الْمَرْأَةِ لَمَّا ظَهَرَ لَهُ بَرَاءَةُ سَاحَةِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَلَا جَرَمَ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ، فَاحْتَالَتِ الْمَرْأَةُ بَعْدَ ذَلِكَ بِجَمِيعِ الْحِيَلِ حَتَّى تَحْمِلَ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى مُوَافَقَتِهَا عَلَى مُرَادِهَا، فَلَمْ يَلْتَفِتْ يُوسُفُ إِلَيْهَا، فَلَمَّا أَيِسَتْ مِنْهُ احْتَالَتْ فِي طَرِيقٍ آخَرَ وَقَالَتْ لِزَوْجِهَا: إِنَّ هَذَا الْعَبْدَ الْعِبْرَانِيَّ فَضَحَنِي فِي النَّاسِ يَقُولُ لَهُمْ: إِنِّي رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ، وَأَنَا لَا أَقْدِرُ عَلَى إِظْهَارِ عُذْرِي، فَإِمَّا أَنْ تَأْذَنَ لِي فَأَخْرُجَ وَأَعْتَذِرَ وَإِمَّا أَنْ تَحْبِسَهُ كَمَا حَبَسْتَنِي، فَعِنْدَ ذَلِكَ وَقَعَ فِي قَلْبِ الْعَزِيزِ أَنَّ الْأَصْلَحَ حَبْسُهُ حَتَّى يَسْقُطَ عَنْ أَلْسِنَةِ النَّاسِ ذِكْرَ هَذَا الْحَدِيثِ وَحَتَّى تَقِلَّ الْفَضِيحَةُ، فَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلُهُ ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ لِأَنَّ الْبَدَاءَ عِبَارَةٌ عَنْ تَغَيُّرِ الرَّأْيِ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ/ فِي الْأَوَّلِ، وَالْمُرَادُ مِنَ الْآيَاتِ بَرَاءَتُهُ بِقَدِّ الْقَمِيصِ مِنْ دُبُرٍ، وَخَمْشُ الْوَجْهِ، وَإِلْزَامُ الْحَكَمِ إِيَّاهَا بِقَوْلِه ِ: إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ [يوسف: 28] وَذَكَرْنَا أَنَّهُ ظَهَرَتْ هُنَاكَ أَنْوَاعٌ أُخَرُ مِنَ الْآيَاتِ بَلَغَتْ مَبْلَغَ الْقَطْعِ وَلَكِنَّ الْقَوْمَ سَكَتُوا عَنْهَا سَعْيًا فِي إِخْفَاءِ الْفَضِيحَةِ.اهــــــــــ
ب/ أن المرأة هددت يوسف عليه السلام بالسجن وهذا يدُل على أن السلطة والكلمة  لها وليست لزوجها.
جاء فى نظم الدرر للبقاعى : {ولئن لم يفعل} أي هذا الفتى الذي قام عذرى عندكن فيه {ما آمره} أي أمري {ليسجنن} أي ليمنعن من التصرف بالحبس بأيسر سعي مني. ولما كان عزمها على السجن أقوى من العزم على إيقاع الصغار به، أكدته بالنون الثقيلة وقالت: {وليكونا} بالنون الخفيفة {من الصاغرين *} أي الأذلاء، أو أن الزيادة في تأكيد السجن لأنه يلزم منه إبعاده، وإبعاد الحبيب اولى بالانكار من اهانته.اهـــــ

سادساً:
أن العزيز لم يكن قاضياً تُرفع إليه القضايا وإنما كان وزيراً  يقول ابن كثير  :" يُخْبِرُ تَعَالَى بِأَلْطَافِهِ بِيُوسُفَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَنَّهُ قَيَّضَ لَهُ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ، حَتَّى اعْتَنَى بِهِ وَأَكْرَمَهُ، وَأَوْصَى أَهْلَهُ بِهِ، وَتَوَسَّمَ فِيهِ الْخَيْرَ وَالْفَلَاحَ، فَقَالَ لِاِمْرَأَتِهِ: {أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا} وَكَانَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ عَزِيزُهَا،وَهُوَ الْوَزِيرُ بِهَا. [قَالَ]  الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: وَكَانَ اسْمُهُ قِطفِيرَ" اهـ
فلو فرضنا جدلاً أن زوجته طلبت حكمه صريحاً لكان هذا من باب التحكيم الذي لابد يشترط فيه رضا المتخاصمين بالطرف المُحكم، فهل تقرون بأن نبي الله عليه السلام قد رضي بالعزيز حكماً بينه وبين خصمه ؟؟ مالكم كيف تحكمون ؟!
نكون بهذا –ولله الحمد- قد بينا بطلان الإستدلال بهذه الحادثة على جواز إجابة دعوة محكمة الطاغوت
________________
* إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر فليس معنى النقل عن شخص اني اوافقه في عقيدته لكن الحق ضالة المؤمن فالعبرة باتباع الحق ونبرأ الى الله من المخالف ونقبل الحق وان جاء من بغيض

========

بيان خطأ إستدلال المخالفين
**********************
الإستدلال الثاني :
ومما أستدل به المخالفون حادثة أبناء يعقوب عليه السلام مع يوسف عليه السلام وهو قوله تعالى: (فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ (70) قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ (71) قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (72) قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ (73) قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ (74) قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (75) فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (76) )

فقالوا هذه الحادثة صورتها صورة محكمة، ودفع أبناء يعقوب عن أنفسهم تهمة السرقة عند يوسف عليه السلام وهم كانوا يظنونه حاكماً كافراً، ولم يكونوا متحاكمين بفعلهم هذا !!! ..
نقول وبالله التوفيق والسداد:
أولاً :
هذه الحادثة لم تكن صورتها صورة محكمة لعدم إكتمال الاركان فاشتملت الحادثة علي ركنين فقط وهما:
(الـمُدعَى عليه) : وهم إخوة يوسف
(الـمُدعَى) وهو يوسف عليه السلام ورجاله.
فلم يكن هناك حاكم وجهة محايدة رُد إليها هذا النزاع أو طُلب منها الحُكم وذلك يتضح لأمور منها :
1/ أن الذي وضع صواع الملك في رحل أخيه هو يوسف عليه السلام قال تعالى:( فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ) فإذن هو خصم لأخوته ..
2/ إن الذي أمر بالخطة ودبرها هو يوسف عليه السلام ..
3/ أن الذي أمر رجاله بأن يتهموهم بالسرقة ويوقفوهم ويسألونهم عن المفقود هو يوسف عليه السلام.قال تعالى : ( فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ) يقول ابن كثير :" لَمَّا جَهَّزَهُمْ وحَمَّل لَهُمْ أَبْعِرَتَهُمْ طَعَامًا، أَمَرَ بَعْضَ فِتْيَانِهِ أَنْ يَضَعَ "السِّقَايَةَ"، وَهِيَ: إِنَاءٌ مِنْ فِضَّةٍ فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِينَ. وَقِيلَ: مِنْ ذَهَبٍ -قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ -كَانَ يَشْرَبُ فِيهِ، وَيَكِيلُ لِلنَّاسِ بِهِ مِنْ عزَّة الطَّعَامِ إِذْ ذَاكَ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَقَتَادَةُ، وَالضَّحَّاكُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ.
وَقَالَ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {صُوَاعَ الْمَلِكِ} قَالَ: كَانَ مِنْ فِضَّةٍ يَشْرَبُونَ فِيهِ، وَكَانَ مِثْلَ الْمَكُّوكِ، وَكَانَ لِلْعَبَّاسِ مثلُه فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَوَضَعَهَا فِي مَتَاعِ بِنْيَامِينَ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُ أَحَدٌ، ثُمَّ نَادَى مُنَادٍ بَيْنَهُمْ: {أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ}اهــــــ 
4/سؤال يوسف عليه السلام لأخوته بأن ماذا يفعل بهم إن وجد الصواع عندهم (قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ) يدُل على أن الحادثة لم تكن صورتها صورة محكمة فليس هناك حاكم أو قاضي يسأل من يريد أن يحكمه بأي شئ يحكمه ؟؟
5/أن الذى حدد العقاب هم أخوة يوسف عليه السلام قال تعالى : ( قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ) يقول الطبرى رحمه الله فى تفسيره: "قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه) .، يقول جل ثناؤه: وقال إخوة يوسف: ثواب السرق من وجد في متاعه السرق (فهو جزاؤه) ،  يقول: فالذي وجد ذلك في رحله ثوابه بأن يسلم بسَرِقته إلى من سرق منه حتى يستَرِقّه= (كذلك نجزي الظالمين) ، يقول: كذلك نفعل بمن ظلم ففعل ما ليس له فعله من أخذه مال غيره سَرَقًا"اهــــــ.
6/ أن الحادثة كانت من كيد الله سبحانه وتعالى ليوسف عليه السلام ليأخذ اخاه قال تعالى : ( كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ) يقول ابن الجوزى الاشعري : "فأجرى الله على ألسنة إِخوته أن جزاء السارق الاسترقاق، فكان ذلك مما كاد الله ليوسف لطفاً حتى أظفره بمراده بمشيئة الله"اهــــــ
ونقول للمخالف:
إن كانت صورة هذه الحادثة  صورة محكمة فمن الذى طلب الحكم ؟؟ فإن قلتم : المؤذن. قلنا: وهل فعل فعلاً لم يؤمر به ؟؟ وهل كان جاهلاً بخطة رئيسه عليه السلام ؟؟
ولماذا سماه الله مؤذن ؟؟ وهل هو أصلاً صاحب الصواع ؟؟ وهل هو الذي أشتكي وطلب الحُكم من يوسف عليه السلام ؟؟
فنحن نلخص الحادثة كالآتي :
1/ أراد يوسف عليه السلام أن يُبقى أخيه معه ففكر في حيلة.
2/ وقام بوضع الصواع في رحل أخيه المقصود.
3/ وأمر رجاله بأن يأمروا القافلة بأن تتوقف عندما تبدأ بالتحرك والخروج وأن يخبرونهم بأنهم فقدوا صواع الملك وأنهم يتهمونهم بسرقته.
4/ وفعل رجال يوسف عليه السلام ماطلبه منهم وسألهم يوسف عليه السلام بأن ماذا نفعل بمن وجدنا الصواع في رحله ؟؟
5/ قرر أبناء يعقوب عليه السلام أن في شريعة الله يُستعبد السارق..
6/ ووجد الصواع في رحل أخيه كما في الخُطة تماماً وأخذ أخوه معه.
فلا تحاكم ولامحكمة على الإطلاق وإنما إتهام بالسرقة لأبناء يعقوب ثم سؤال الـمُتهِم لهم  ماذا يُفعَل إن وجد في  الصواع  فى رحلهم!! فأشترطوا هم على أنفسهم بأن يؤخذ من وُجِد الصواع عنده رقاً وبدأ التفتيش ووجد الصواع وتمّ ما قررهوه بأنفسهم.
وفي هذه الحادثة وما يقرره المخالفون من الفروق مايلي :
1/  هذه الحادثة لم يوجد فيها حاكم أو جهة رُد إليها النزاع وفي التحاكم لابد من رد النزاع كما قال تعالى: (فإن تنازعتم في شئ فردوه) فالرد قد يكون من الطرفين وقد يكون من المُدعى وياتى الأخر مُذعناً وفي محاكم الجاهلية يوجد قُضاة منصبون من قِبل طواغيت البلاد.
2/  هذه الحادثة لم يوجد  فيها قانون وضعي يخالف شرع الله يُحكم به أو يُحاكم اليه بخلاف محاكم اليوم الطاغوتية فإنه يُحكم ويُحاكم فيها بالقوانين الوضعية.
3/في هذه الحادثة سأل  يوسف عليه السلام أخوته ماهو جزاء من يوجد في رحله الصواع( قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ)  !! فأجابوا وألزموا أنفسهم بما هو ثابت في شريعتهم بخلاف ما يحصل في محاكم الجاهلية اليوم التي لا يُحكَم فيها إلا بالقوانين الوضعية.
4/في محاكم اليوم الطاغوتية يرفع أحد الخصمين الدعوى على خصمه ثم يُستدعى الآخر فيأتي مُذعناً أو قد يتفق الخصمان على الترافع إبتدأً ثم يتقدم أحدهما على الآخر أما في هذه الحادثة لم يحصل كلا الأمرين لم يوجد خصم رفع دعوى في خصمه ولم يثبت أن الخصمان أتفقا على الترافع لفلان، فلو قيل أن المؤذن هو من ترافع ليوسف عليه السلام.. نقول : وأين ثبت ذلك في نص الآيات فالآيات بينت أن أحدهم أي _ عمال يوسف عليه السلام _ نادى في أبناء يعقوب بأنهم متهمون بكذا .. فكلامه مع أبناء يعقوب وليس مع يوسف عليه السلام.. ويوسف عليه السلام هو الذي أرسله لذلك فكيف يكون المؤذن الذي لم تتجاوز مهمته إبلاغهم بأن يوسف عليه السلام فقد كذا هو خصم أبناء يعقوب ؟؟ وكيف يكون يوسف عليه السلام قاضياً عليهم وهو مخاصمهم ؟؟
فكيف يستدل المخالفون بهذه الحادثة رغم الفروق الأصيلة بينها وبين ما يُجوزونه ؟؟
فكيف للمخالفين أن يستدلوا بهذه الحادثة مع علمهم القاطع بأنه لم يُحكَم فيها بقانونٍ وضعي على جواز مخاصمة الموحد لخصمه في محاكم اليوم مع علمهم القاطع بأنها يُحكم فيها بالقانون الوضعي ؟؟
فإن قيل : أن الدليل على أن هذه الحادثة كانت صورتها صورة محكمة قوله تعالى : ( وماكان ليوسف ليأخذ أخاه في ديّن الملك) وديّن الملك شريعته.
نقول :
أولاً:
قد بيّنا أن هذه الحادثة لم تكن حادثة تحاكم لفقدانها عناصر وأركان التحاكم وهي :
1/  الجهة التي يرُد إليها النزاع.
2/ القانون الذي يُحكم به ويُحاكم إليه .
ثانياً:
لا يُدل قوله تعالى : (ماكان ليوسف أن يأخذ أخاه في دين الملك) على أن هذه الحادثة كانت تحاكماً وإنما العكس فلو عُرضت هذه المسألة _ السرقة _ للقضاء في تلك الدولة لكانت العقوبة خلاف ما أراد يوسف عليه السلام  ،ويوسف عليه السلام حاشاه أن يحاكم أحداً للملك الكافر،ولكنه جعلهم يقررون جزاء من يوجد في رحله الصواع يقول ابن كثير  : " {كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ} وَهَذَا مِنَ الْكَيْدِ الْمَحْبُوبِ الْمُرَادِ الَّذِي يُحِبُّهُ اللَّهُ وَيَرْضَاهُ، لِمَا فِيهِ مِنَ الْحِكْمَةِ وَالْمَصْلَحَةِ الْمَطْلُوبَةِ.
وَقَوْلُه ُ: {مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ} أَيْ: لَمْ يَكُنْ لَهُ أَخْذَهُ فِي حُكْمِ مَلِكِ مِصْرَ، قَالَهُ الضَّحَّاكُ وَغَيْرُهُ.
وَإِنَّمَا قَيَّضَ اللَّهُ لَهُ أَنِ الْتَزَمَ لَهُ إِخْوَتُهُ بِمَا الْتَزَمُوهُ، وَهُوَ كَانَ يَعْلَمُ ذَلِكَ مِنْ شَرِيعَتِهِمْ؛ وَلِهَذَا مَدَحَهُ تَعَالَى فَقَالَ: {نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ}" اهـــــ
فالآية تُدل على أن المسألة لم تُرفع إبتداءاً لأي قضاء، فمثلها مثل أن يتهمك أحدهم بسرقة جواله الخاص وطلب تفتيش حقائبك ويقول لك ماجزاءك إن وجدت الجوال في حقيبتك ؟؟ فتقول له جزائى الضرب أو الحبس أو الغرامة .. فهل ستكون هذه الحادثة تحاكم ؟؟ وهل يصح القول بأن خصمكم هو الذي فصل بينكم في النزاع ؟؟ مالكم كيف تحكمون ؟!
_____________

بيان خطأ إستدلال المخالفين
**********************
الإستدلال الثالث:

ومما أستدل به المخالفون على إخراج هذه المسألة من التحاكم :
(تقييديهم مدلول آية النساء بسبب النزول وهو قولهم بأن الطرفين اللذان نزلت فيهما الآية كانا قد أتفقا على تحكيم الطاغوت ولذلك لايكون المُدعى عليه متحاكماً إلا إذا اتفق مع خصمه على التحاكم إلى الطاغوت ونحن نقول بأننا لانتفق مع خصومنا على التحاكم الى الطاغوت أما إن ادعَى علينا خصومنا فيجوز لنا الذهاب الى محاكم الطاغوت والدفاع عن أنفسنا ولا نكون بذلك قد تحاكمنا للطاغوت)
نقول وبالله التوفيق والسداد:
أولاً:
لايجوز قصر عموم النص بخصوص السبب، لأن اللفظ العام الوارد على سبب، حُكمه يَعُم كل مايشمله اللفظ مالم يقم دليل بوجوب قصر الحكم على السبب كما قيل (واللفظ العام إن أريد به الخاص فلابد من نصب دليل يدل على التخصيص، إما مقتـرن بالخطـاب عنـد مـن لايجـوِّز تأخيــر البيــان، وإما موسَّع في تأخيره إلى حين الحاجة عند الجمهور)  اه نقلا ،وكما قيل :" ولا يشتبه عليك التخصيص بالقرائن والتخصيص بالسبب كما اشتبه على كثير من الناس فان التخصيص بالسبب غير مختار فان السبب وان كان خاصا فلا يمتنع ان يورد لفظ عام يتناوله وغيره"اهـــ
وقوله تعالى: (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا) النص جاء بصيغة العموم ولم تقم قرينة بتخصيصه ولم ياتى دليل آخر بالتخصيص  بصورة سبب النزول -التى ورد فيها الاتفاق بين الخصمين- بل يسمى كل  من طلب الحكم أو أجاب الدعوة للحكم له أو عليه أنه تحاكم –كما بينا ذلك سابقاً-، بمعنى أنه قبل الحكم لفض الخصومة ..( بقوله أو فعله) والـمُدعي عليه عند - القاضي العام - ليس بالضرورة أن يطلب هو الحكم مختاراً ..ولكن قد يُدعى للتحاكم فيجيب ، ثم يسئل فيرد على أسئلة القاضي. وليس بالضرورة أن يقول للقاضي أحكم بيننا .. ولكن يكتفى منه بإجابة الدعوة وإجابة الأسئلة .. وقد يطلب منه الحلف إذا أنكر..وقد يطلب منه الرجوع يوما آخر وآخر.
فلاقرينة على قبوله أكبر من إمتثاله للحضور مسرعا ، وأجابته لأسئلة القاضي مذعنا ومخاصمة خصمه إليه، ثم جلوسه وحضوره جلسات المحكمة في هدوء وسكون وإنصات حتى تكتمل وقد لاتكتمل فيطلب منه الحضور ثم الحضور...
ثانياً:
أن مناط كفر الـمُتحاكم للطاغوت يتعلق بفعله للتحاكم لا بمن دعاه إلى جلسة الحُكم فلافرق بين من يدعوه خصمه للإمتثال لجلسة التحاكم وبين من يستدعيه القاضي نفسه ليفض النزاع بينه وبين خصمه،فيثبت حكم المتحاكم بفعله للتحاكم ،فمن تحاكم للطاغوت يكفر .
اء  في التفسير عن سبب نزول آية النساء مايلي :
وقال الضحاك : دعا اليهودي المنافق إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ودعاه المنافق إلى كعب بن الأشرف وهو الطاغوت ورواه أبو صالح عن ابن عباس قال : كان بين رجل من المنافقين يقال له بشر وبين يهودي خصومة ؛ فقال اليهودي : انطلق بنا إلى محمد ، وقال المنافق : بل إلى كعب بن الأشرف وهو الذي سماه الله الطاغوت أي ذو الطغيان فأبى اليهودي أن يخاصمه إلا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فلما رأى ذلك المنافق أتى معه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى لليهودي .
قلتُ: الشاهد من سبب النزول أن اليهودي لم يكن يريد أن يخاصم المنافق إلا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يتفقا إبتداءاً على تحكيم كعب بن الأشرف إلا تحت إصرار اليهودي ومع ذلك سماهم الله عز وجل الإثنين متحاكمين إلى الطاغوت كما ورد في تفسير قوله تعالى : (الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك) وهم المنافقون (وما أنزل من قبلك) وهم اليهود.
فما الفرق بين من يدعوه خصمه الى فض النزاع عند الطاغوت الفلاني فيرفض وبعد إصرار خصمه عليه يوافق وبين من يدعوه خصمه الى فض النزاع عند الطاغوت فيرفض ويدعوه الطاغوت نفسه لفض النزاع بينه وبين خصمه فيلبى ويوافق ويمثل مذعناً ؟؟

ثالثاً:
جاء في التفسير في سبب نزول آية النساء مايلي: (أحدهما: إنها نزلت في رجل من المنافقين ورجل من اليهود كان بينهما خصومة، فقال اليهودي: أحاكمك إلى أهل دينك لأني أعلم أنهم لا يقبلون الرشوة، وقال المنافق: أحاكمك إلى اليهود منهم كعب بن الأشرف، لأنه علم أنهم يقبلون الرشوة، فاصطلحا أن يتحاكما إلى كاهن من جهينة، فأنزل الله فيهما هذه الآية { أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ ءَامَنُواْ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ } يعني المنافق { وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ } يعني اليهودي. { يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ } يعني الكاهن، وهذا قول الشعبي ومجاهد.اهـــــ
قلتُ: فقوله (فاصطلحا أن يتحاكما) يدُل على أن الإصطلاح على التحاكم غير التحاكم، والإصطلاح على الشئ غير الشئ نفسه وهذا فيه بيان بطلان زعم المخالفين في إعتمادهم على هذه الألفاظ لحصر مفهوم التحاكم كله في الإصطلاح أو الإتفاق.

رابعاً:
وكذلك جاء في سبب نزول الآية مايلي : (فلما خرجا قال المنافق : لا أرضى ، انطلق بنا إلى أبي بكر ؛ فحكم لليهودي فلم يرض ذكره الزجاج وقال : انطلق بنا إلى عمر فأقبلا على عمر فقال اليهودي : إنا صرنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم إلى أبي بكر فلم يرض ؛ فقال عمر للمنافق : أكذلك هو ؟ قال : نعم . قال : رويدكما حتى أخرج إليكما . فدخل وأخذ السيف ثم ضرب به المنافق حتى برد ، وقال : هكذا أقضي على من لم يرض بقضاء الله وقضاء رسوله ؛ وهرب اليهودي)
فلو أصريتم على تقييد مفهوم مدلول الآية بصورة سبب النزول يلزمكم أن لا تكفروا المتحاكم إلى الطاغوت فى محاكم اليوم إلا فى حالة وجود محكمة إسلامية وإعراض المتحاكم للطاغوت عن التحاكم للمحاكم الإسلامية –كما يقرر أدعياء السلفية- !! فهل تُقررون ذلك ؟؟
____________________________

٨- بيان خطأ إستدلال المخالفين
**********************
الإستدلال الرابع:

حادثة الصحابة رضوان الله عليهم مع النجاشى، استدل المخالفون بهذه الحادثة على تجويز إجابة دعوة محكمة الطاغوت ،وقالوا بأن النجاشى كان كافراً واستدعى الصحابة رضوان الله عليهم للفصل بينهم وبين خصومهم ،والصحابة استجابوا لدعوة التحاكم ودافعوا عن أنفسهم !!!
فنقول وبالله التوفيق:
قبل بيان بطلان استدلال المخالفين نورد الحادثة كما روتها أم المؤمنين ام سلمة رضى الله عنها ،لنبيّن أن مايقولون به من أنها كانت حادثة تحاكم هو من فهم عقولهم التى راحت تبحث بين الأدلة عمّا يثبت عقيدتهم الفاسدة .
عن أم سلمة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- ، قالت : ( لما نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها خير جار النجاشي ، أمنا على ديننا ، وعبدنا الله تعالى لا نؤذى ولا نسمع شيئا نكرهه
فلما بلغ ذلك قريشا ، ائتمروا أن يبعثوا إلى النجاشي فينا رجلين جلدين ، وأن يهدوا للنجاشي هدايا مما يستطرف من متاع مكة ، وكان من أعجب ما يأتيه منها إليه الأدم ، فجمعوا له أدما كثيرا ولم يتركوا من بطارقته بطريقا إلا أهدوا إليه هدية ، ثم بعثوا بذلك عبد الله بن أبي ربيعة بن المغيرة المخزومي ، وعمرو بن العاص السهمي ، وأمروهما أمرهم ، وقالوا لهما : ادفعوا إلى كل بطريق هديته قبل أن تكلموا النجاشي فيهم ، ثم قدموا له هداياه ، ثم سلوه أن يسلمهم إليكم قبل أن يكلمهم.
قالت : فخرجا ، فقدما على النجاشي ، ونحن عنده بخير دار عند خير جار . فلم يبق من بطارقته بطريق إلا دفعا إليه هديته ، وقالا له : إنه قد ضوى إلى بلد الملك منا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ، ولم يدخلوا في دينكم ، وجاءوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنتم ، وقد بعثنا إلى الملك فيهم أشراف قومهم ليردهم إليهم ، فإذا كلمنا الملك فيهم ، فأشيروا عليه بأن يسلمهم إلينا ولا يكلمهم ، فإن قومهم أعلى بهم عينا وأعلم بما عابوا عليهم ، فقالوا لهم : نعم.
ثم إنهما قربا هدايا النجاشي ، فقبلها منهم ، ثم كلماه ، فقالا له : أيها الملك إنه ضوى إلى بلدك منا غلمان سفهاء ، فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينك ، وجاءوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنت ، وقد بعثنا إليك أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم لتردهم إليه ، فهم أعلى بهم عينا ، وأعلم بما عابوا عليهم فيه . قالت : ولم يكن شيء أبغض إلى عبد الله ، وعمرو من أن يسمع النجاشي كلامهم . فقالت بطارقته حوله : صدقوا أيها الملك . فأسلمهم إليهما . فغضب النجاشي ، ثم قال : لا ها الله إذا لا أسلمهم إليهما ، ولا أكاد قوما جاوروني ، ونزلوا بلادي ، واختاروني على من سواي حتى أدعوهم فأسألهم ...) إلى آخر الحديث  
بعد أن سقنا الحديث نقول وبالله التوفيق:
أولاً:
اثبتوا لنا كيف كانت هذه الحادثة تحاكم من الحديث نفسه لا من فهمكم ؟؟ وهل اكتملت فيها جميع عناصر التحاكم؟؟

ثانياً:
أن حادثة جعفر بن أبي طالب والصحابة مع النجاشي ومشركي قريش هي حادثة جوار, فالصحابة رضي الله عنهم دخلوا في جوار النجاشي ويثبت ذلك قول الصحابة أنفسهم: (...لما نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها خير جار النجاشي..) وقال جعفر رضي الله عنه (...خرجنا إلى بلادك واخترناك على من سواك ورغبنا في جوارك ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك.. )، وقول النجاشى نفسه : ( ثم قال : لا ها الله إذا لا أسلمهم إليهما ، ولا أكاد قوما جاوروني ، ونزلوا بلادي ، واختاروني على من سواي)

ثالثاً:
ان وفد قريش لم يطلب من النجاشى الحكم بينهم وبين الصحابة بل طالبوا بتسليم المسلمين إليهم فكانت الصورة كالآتي :
النجاشي والمسلمون (طرف) ، ومشركي قريش  (طرف )
فكانت الصورة هي مطالبة غريم بتسليم - حق لهم عنده -  كالأمانة أو اللقطة ونحوها لصاحبها .. وليس طلب التحاكم وفض النزاع .. بل بالعكس  فإن الوفد طلب من النجاشي أن يسلم لهم الصحابة لكي يحكموا هم عليهم بحكمهم حيث قالوا : ( أيها الملك إنه قد ضوى إلى بلدك منا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينك وجاءوا بدين ابتدعوه لا نعرفه نحن ولا أنت وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم و عشائرهم لتردهم إليهم فهم أعلى بهم عيناً وأعلم بما عابوا عليهم وعاتبوهم فيه)
ولهذا يعتبر مطالبة بتسليم حق – مزعوم - لصاحبه .. كتسليم الأمانة واللقطة لصاحبها ..  لا محكمة فيه ولا تحاكم أساسا..
وكلام أعدائهم من قريش لهو أصرح دليل على أنهم لم يطلبوا من النجاشي أن يحكم بينهم وبين الصحابة وهو قولهم : ((وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم و عشائرهم لتردهم إليهم فهم أعلى بهم عيناً)) فماذا أنتم قائلون بعد هذا القول المُبين !!! وكيف فهمتم أنها حادثة تحاكم ؟؟!!
خامساً:
جاء فى سيرة ابن هشام تحت عنوان : " إحضار النجاشي المهاجرين وسؤاله لهم عن دينهم وجوابهم على ذلك " - في سيرة ابن هشام ج1
وفي هذا دليل على أن الموضوع الذي أُستدعى فيه الصحابة رضي الله عنهم هو موضوع السؤال عن الديّن وهذا لم يقل أحد بأنه تحاكم

..تنبيه:
يجدر التنبيه هنا الي ان المراد من إيراد أقوال بعض أهل العلم في هذه الورقات انما هو للنظر فيما صح من فمهم  لنصوص الوحي ولمزيد من التوضيح والفائدة, ولا يفهم ان المراد هو الإحتجاج والإستدلال بها.

خلاصةالبحث:
1/أن الـمُدعى عليه متحاكِم فكل من خاصم خصمه إلى الحاكم متحاكِم –حسب اللغة والشرع-، سواء أنه  رفع الدعوى إلى الحاكم أو انه أجاب دعوة المحكمة للفصل بينه وبين خصمه ومخاصمة خصمه إلى الحاكم ،فبإجابته للدعوة يكون قد رد نزاعه لجهة الحكم .ومن رد نزاعه للطاغوت ينتقض عنده شرط الإيمان بالله عز وجلّ.
2/ أن الـمُدعى عليه الذى يذهب لجلسة حكم الطاغوت –إجابة لدعوة المحكمة- مختاراً تحققت عنده إرادة ردّ النزاع إلى الطاغوت وإن لم يرد –ينوى- التحاكم إلى الطاغوت.
3/ أن القرينة الظاهرة لقبول حكم الطاغوت هى المجئ لمجلس حكمه ومخاصمة الخصم إليه ،والقرينة الظاهرة لرفض حكمه هى الإعراض عن المجئ إليه.
4/ أن من ذهب للطاغوت ليحصل على حكمه قد أقر له بحق الحكم وإن لم يصرح بالقول.
5/ أن طلب البراءة من محكمة الطاغوت هو طلب حكم  هذه المحكمة ،لأن البراءة لا تصدر إلا بحكم القاضى وطبقاً لقوانينه .
6/ ان دفع الظلم عن النفس أمر جائز شرعاً ولكن بالوسائل الشرعية ،ولا يجوز الاستعانة بالمحاكم الكفرية لدفع الظلم الذى قد يقع ،لان فى هذه الاستعانة كفر بالله والظلم لا يدفع بظلم اكبر منه.
7/ الاستدلال فى مسائل الكفر والإيمان يكون بالنصوص القطعية فى ثبوتها ودلالتها التى تضح بمجرد تلاوتها ولا تحتاج لاستنباط أو تأويل .

خاتمة:
وفي ختام هذه الورقات نود أن نذكر كل طالب حق أن المولى عز وجلّ  قد أوجب على عباده اتباع الحق متى ما ظهر لهم،  فأرسل سبحانه وتعالى رسله مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتب ليحكموا بين الناس بالحق وأيدهم بالمعجزات والآيات ولم يحل بين الناس والحقّ بشئ ،ثم أنهم أتتهم شياطين الإنس والجن فجعلت بينهم وبين الحق حواجب وحواجز فتارة يغرقونهم فى الشهوات وأخرى ينهالون عليهم بالشبهات ولكن ما هم بضارين بذلك إلا من هو صالٍ الجحيم ،ولا ينجو من ذلك إلا من جاهد فى سبيل الله باحثاً عن الحق مريداً للخير والفلاح فى الدارين قال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ) العنكبوت69
وعلي طالب الحق ان لا يتردد في اتباعه من أي مصدر كان, سواء صدر هذا الحق من عدو أو من حبيب, من قريب كان أم من بعيد فالحق مطلوب لذاته لا لقائله أو مصدره. وها نحن  قدمنا بين أيديكم ما منّ الله به علينا من هدي وبصيرة في هذه المسألة –ولله الحمد والمنة-وما نعتقده في جنب الله من كتابه وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام ونرجو من  القارئ أن لا يتواني في اتباع الحق متي ما وجده فالحقّ أحقّ  أن يُتبع وعليه التجرد لله سبحانه وتعالي والتخلص من الصوراف التي تصد عن سبيل الله.يقول ابن القيم  : "كمال الإنسان مداره على أصلين: معرفة الحق من الباطل، وإيثار الحق على الباطل، وما تفاوتت منازل الخلق عند الله في الدنيا والآخرة إلا بقدر تفاوت منازلهم في هذين الأمرين"
اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل ، فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة ، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون ، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك.
والحمد لله رب العالمين
_______________________
منقول

===========
===========

بيان كُنه التحاكم المُكَّفِر ومناطاته وشروطه وصوره ، وبيان الفرق بينه وبين التصالح والتظلم والاستجارة والاستشفاع
****************************************************************************

إذ يُعدّ الخلط بين هذه المصطلحات تمييعاً لعقيدة التحاكم وتشويشاً لواقع الأمة  ..
قال تعالى : " فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ "
وهذا المثال كالتالي : إذا كانت هناك خصومة بين طرفين ، وحدث ما يلي : ـ

ـ أراد أحد الطرفين ( مجرد إرادة قلب فحسب ) طلب حكم جهة معينة ؛ لفصل هذه الخصومة ، فيُعدّ هذا الطرف متحاكماً ، ثم يُنظر إلى هذه الجهة ، إن كانت جهة طاغوتية فالتحاكم إليها تحاكم للطاغوت ، وإن كانت جهة مسلمة فلا حرج ، وهذا كحال المسلم الذي يدعى الإيمان مع إرادة التحاكم إلى كعب بن الأشرف .

ـ إذا اتفقا الطرفان فيما بينهما على تولية شخصاً يفصل خصومتهما ، صارت هذه العملية تحكيماً ، وهى أشمل من التحاكم , وهذا كتحكيم الزبير بن العوام والصحابي للنبي صلى الله عليه وسلم في شراج الحرة ، وكتحكيم على بن أبى طالب ومعاوية بن أبى سفيان رضي الله عنهما لكتاب الله حقناً لدماء المسلمين .

ـ إذا اتفقا الطرفان فيما بينهما على تولية شخصاً ، يُصلح بينهما ويُرضِى كل طرف منهما ، بحيث يكون كل طرف منهما مستعداً للتنازل عن جزء من حقه في سبيل تحقيق التراضي والوئام مع خصمه ، فهذا يُعدّ تصالحُاً لا تحاكماً ، وهذا كحال أبى شريح في الجاهلية حينما كان يلجأ إليه قومه ليصلح بينهم فيرضى كل من الأطراف المتنازعة , واستحسان النبي صلى الله عليه وسلم ذلك منه .

ـ إذا طلب أحد الطرفين النُصرة على خصمه من السلطان أو الحاكم ذو السلطة والقوة ، فهذا الأمر يُعدّ استجارة أو استعانة بمخلوق فيما يقدر عليه ، ولا يُسمّى تحاكماً ، ولا يخلو هذا الأمر من قيام هذا الطرف بعرض مظلمته على ذاك الحاكم ذو السلطان ، ويُعدّ هذا الفعل منه تظلُماً وهذا كواقعة الصحابة مع النجاشي وكحال حلف الفضول الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم لو دعيت لمثله في الإسلام لأجبت ، إلا إذا طلب هذا الطرف المُتظَّلم من ذاك الحاكم أن يفصل الحكم في هذه المظلمة ، فيصير فعله هذا تحاكماً ، فمجرد رفع  الشكاية تظلم ، بينما طلب الحكم في هذه الشكاية فلا يكون إلا تحاكم
ـ القرار الذي يَصدُر من الحاكم الذي وقع الاختيار عليه ، إذا صدر على سبيل الإلزام سُمِّى هذا القرار حُكماً ، وإذا صدر على سبيل التراضي سُمِّى هذا القرار صُلحاً ، وإذا دخل في حيز التنفيذ سُمِّى قضاءاً .

ـ بعد صدور الحكم وقبل عملية التنفيذ استشعر أحد الطرفين بظلم الحاكم وهول الحكم الصادر عليه من الحاكم ، فاستشفع بأحد المقربين للحاكم أو بالحاكم نفسه ؛ ليخفف عنه الحكم  الصادر ضده ، فيصير هذا الفعل استشفاعاً لا تحاكماً , وهذا كحال أخوة يوسف عندما استشفعوا عند أخيهم عليه السلام قبل أن يعرفوه بتخفيف الحكم الصادر بشأن أخيهم بنيامين ، قال تعالى : " قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبً شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ "  وكاستشفاع أسامة بن زيد رضي الله عنه عند النبي صلى الله عليه وسلم في شأن المخزومية التي سرقت
_________________

قال الله تعالى : ( إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى للَّهِ ( أي : إلى كتاب الله ) وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ( وهذا ليس على طريق الخبر ، ولكنه تعليم أدب الشرع ، بمعنى أن المؤمنين ينبغي أن يكونوا هكذا ، ) أَن يَقُولُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ( أي : سمعنا الدعاء وأطعنا بالإجابة، )أهـ
فانظر كيف جعل إجابة الدعوى أنها الطاعة في التحاكم , فإما أن تكون طاعة وإذعان لحكم الله أو طاعة وإذعان لحكم الطاغوت

{ ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم } والحال أنهم معرضون عن الإجابة إلى ما دعوا إليه مع علمهم به واعترافهم بوجوب الإجابة إليه .أهـ

فحال هؤلاء الذين أجابوا دعوى التحاكم عند الطاغوت أنهم أجابوا ما دعوا إليه مع علمهم ببطلانه واعترافهم بوجوب الكفر به وبحكمه

وهذه الآية دليل على وجوب إجابة الدعوى إلى الحاكم ، لأن الله سبحانه ذم من دعي إلى رسول الله ليحكم بينهِ وبين خصمه  فلم يجب ، بأقبح الذم ] أ.ه

ويقول تعالى فى بيان حكم إجابة دعوة التحاكم:( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا ).
جاء فى تفسير الطبرى للآية:
القول في تأويل قوله: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً(61) }
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: ألم تر، يا محمد، إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك من المنافقين، وإلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل من قبلك من أهل الكتاب، يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت ="وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله"، يعني بذلك:"وإذا قيل لهم تعالوا"، هلُمُّوا إلى حكم الله الذي أنزله في كتابه، وإلى الرسول ليحكم بيننا ="رأيت المنافقين يصدون عنك"، يعني بذلك: يمتنعون من المصير إليك لتحكم بينهم، ويمنعون من المصير إليك كذلك غيرهم ="صدودًا").اهـ 
فنقول أن الأحكام تُبني على الظاهر والتحاكمُ وعدمه _الإعراض عنه _ فعلٌ ظاهر، وان صدود المنافقين عن حكم الرسول صلى الله عليه وسلم كان بالإمتناع وعدم المصير إلى الرسول صلى الله عليه وسلم،وعلى هذا فإن المصير إلى الحاكم إجابة لدعوته  يُعدُّ قبولاً للتحاكم إليه وهذا يوضحه قوله تعالى عن المنافقين (فإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين) فجعل الله إذعانهم في الظاهر إذعان لحكمه وقبول له مع أنهم لم يأتوا إلا لان الحكومة لهم.

وقَوْله تَعَالَى: {وَإِذا قيل لَهُم تَعَالَوْا إِلَى مَا أنزل الله وَإِلَى الرَّسُول رَأَيْت الْمُنَافِقين يصدون عَنْك صدودا} هُوَ مَا ذكرنَا، أَن الْمُنَافِقين دعوا إِلَى التحاكم إِلَى الرَّسُول، فأعرضوا عَنهُ، وتحاكموا إِلَى الطاغوت.اهـ
فانظر -هدانا الله وإياك -كيف جعل  دعوة المنافقين إلى حكم الرسول دعوة إلى التحاكم اليه، فيُفهم من ذلك أن الدعوة إلى حكم الطاغوت دعوة إلى التحاكم إليه وأن إعراضهم عن قبول الدعوة إعراض عن التحاكم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم  فتنبه!!

________________

التحاكم والمحن
*****************

فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما روى البخاري عن عروة قال سألت عبد الله بن عمر بن العاص فقلت أخبرني أشد شئ صنعه المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم ،فقال بينما النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في حجر الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي معيط فخنقة خنقاً شديداً فأقبل أبو بكر حتى أخذ بمنكبه ودفعه عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال :أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله "
وكذلك ما فعله عقبة بن معيط بأبي بكر الصديق رضي الله عنه فكان مردٌ أمرهما كله إلى الله عز وجل .
وكذلك ما لاقاه آل ياسر من صنوف التعذيب والتمثيل حتى كانت من جرأة المشركين أن فتكوا بهم فأردوهم قتلى "سمية وياسر رضي الله عنهما " فما كان أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذه الأسرة الكريمة وهو الموحي إليه إلا أن يقول :" صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة " .

وهذا بلال رضي الله عنه يُفعل به ما يُفعل ......
وذاك خباب بن الأرت يقول أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة وهو في الكعبة ولقد لقينا من المشركين شدة فقلت :يا رسول الله ألا تدعوا الله ؟ فقعد وهو مخمر وجهه فقال :"لقد كان فيمن قبلكم يمشط بأمشاط الحديد مادون عظامه ما يصرفه ذلك عن دينه ،وليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ما يخاف إلا الله والذئب على غنمه .

وكذلك ما حدث لصهيب رضي الله عنه حين هجرته إذ أخذت منه أموالاً طائلة ولكنه صبر لأنه يعلم ان الله لا بد منصفه .
وكذلك ما حدث لأم سلمة رضي الله عنها حين هجرتها وكان ثمنها أن قطعت يد أبنها فصبرت لذلك .

هذا كله من أصعب ما يُصاب به الإنسان ومع ذلك لم يثبت أن الرسول الرحيم صلى الله عليه وسلم أذن للتحاكم إلى الطواغيت وهي المحاكم المعترف بها آنذاك في مكة المكرمة
وأنه لم تكن هناك محكمة إسلامية معترف بها فكان الحاكم هو الله سبحانه وتعالى ،لذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يبتغي هو والمؤمنون حكماً غيرهِ لأنهم يعلمون أنه منصفهم .
ولهذا كان الصبر في لحظة الإستضعاف هو الملجأ والملاذ وهذا هو أمر الله كما يقول سبحانه وتعالى في سورة العنكبوت وهي مكية : ﴿ الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا أمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين ﴾ .
إذا فلا الأموال ولا البنون ولا الملك ولا الأذى هو الذي يدفع المسلم إلى التحاكم إلى أولياء الشياطين الذين يفصلون في هذه الأمور بشرعة إبليس عليه لعنة الله ،فما عليهم إلا الصبر حتى يمكن الله لهم في الأرض .
_____________________
منقول

عربي باي