فمن أراد أن يسلم لله ويؤمن بلا إله إلا الله كما يريده الله عز وجل فيجب عليه:
كانت دعوته صلى الله عليه وسلم رسالة عامة للعالمين ولم تكن مخالفة لدعوة الرسل من قبله بل كان على نهج من قبله من الأنبياء متبعاً ملة إبراهيم عليه السلام، فكان يدعو قومه ليوحدوا الله ولا يشركوا به شيئا ويتركوا ما يعبد آباؤهم من دون الله . ويعبر عن هذا كله قول: "لا إله إلا الله". وقد عرفوا أنهم مطالبون بهذا الترك، قال الله عنهم: (وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ) (الصافات:36)
وإليك الدليل على ما قلنا:
1- ما جاء في الصحيح من حديث سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: (( لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ جَاءَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدَ عِنْدَهُ أَبَا جَهْلٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ فَقَالَ أَيْ عَمِّ قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ كَلِمَةً أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ....)) .الحديث
يقول عبد الرحمن بن حسن فيه معرفتهما لمعنى " لا إله إلا الله" لأنهما عَرَفَا أن أبا طالب لو قالها لبَرِئ من ملة عبد المطلب، فإن ملة عبد المطلب هي الشرك بالله في الإلهية، وأما الربوبية فقد أقروا بها.انتهى
ففي هذا الحديث المجمع على صحته، دلالة واضحة أنه لا يقول لا إله إلا الله إلا من برئ من كل دين أساسه الشرك بالله، وقد علم كفار قريش أن الذي أراده رسول الله منهم بقول " لا إله إلا الله" ليس مجرد اللفظ بل هو القول والاعتقاد والعمل، وأنها البراءة التامة مما كانوا عليه من دين الآباء والأجداد، والذي هو عبادة الأصنام من دون الله.
2- وفي سؤال هرقل لأبى سفيان عما يدعو إليه هذا النبي أجاب أبو سفيان بما فهمه من دعوته والحديث ثابت في الصحيح: قال هرقل: (( .... قَالَ: مَاذَا يَأْمُرُكُمْ قُلْتُ: يَقُولُ: اعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَاتْرُكُوا مَا يَقُولُ آبَاؤُكُمْ)). قوله: (( وَاتْرُكُوا مَا يَقُولُ آبَاؤُكُمْ)). هِيَ كَلِمَة جَامِعَة لِتَرْكِ مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّة .
فتأملوا في هذا الأثر الصحيح الواضح وضوح الشمس:
اعبدوا الله وحده
ولا تشركوا به شيئا
واتركوا ما يقول آباؤكم، (وهو الكفر بما كان يدين به المشركون)
هذا هو الإسلام الذي كان يدعوهم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
3- حديث عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ السُّلَمِيُّ في صحيح مسلم: وفيه: (( .... فَقُلْتُ: وَبِأَيِّ شَيْءٍ أَرْسَلَكَ قَالَ: أَرْسَلَنِي بِصِلَةِ الْأَرْحَامِ وَكَسْرِ الْأَوْثَانِ وَأَنْ يُوَحَّدَ اللَّهُ لَا يُشْرَكُ بِهِ شَيْءٌ قُلْتُ: لَهُ فَمَنْ مَعَكَ عَلَى هَذَا قَالَ: حُرٌّ وَعَبْدٌ)) .
فتأملو في هذا الحديث أيضا:
أن يوحد الله
لا يشرك به شيئا
وكسر الأوثان
يقول صاحب كتاب التوحيد : فليتأمل المؤمن الناصح لنفسه ما في هذا الحديث من العبر ....
إلى أن قال: وفيه من العبر أيضا أنه لما قال: " أرسلني الله". قال: بأي شيء أرسلك؟ قال بكذا وكذا. فتبين أن زبده الرسالة الإلهية، والدعوة النبوية، هو توحيد الله بعبادته وحده لا شريك له وكسر الأوثان، ومعلوم أن كسرها لا يستقيم إلا بشدة العداوة، وتجريد السيف، فتأمل زبده الرسالة.
وفيه أيضا أنه فهم المراد من التوحيد، وفهم أنه أمر كبير غريب، ولأجل هذا قال: (( ....فَمَنْ مَعَكَ عَلَى هَذَا قَالَ: حُرٌّ وَعَبْدٌ)). فأجابه أن جميع العلماء والعباد والملوك والعامة مخالفون له ولم يتبعه على ذلك إلا من ذكر، فهذا أوضح دليل على أن الحق قد يكون مع أقل القليل وأن الباطل قد يملأ الأرض. انتهى .
4- حديث ضمام بن ثعلبة وفيه: (...قال أنشدك الله إلهك وإله من قبلك وإله من هو كائن بعدك آلله بعثك إلينا رسولا؟ قال اللهم نعم. قال أنشدك الله إلهك وإله من قبلك وإله من هو كائن بعدك آلله أمرك أن نعبده ولا نشرك به شيئا وأن نخلع هذه الأوثان والأنداد التي كان آباؤنا يعبدون؟ فقال صلى الله عليه وسلم اللهم نعم ....) وأصل الحديث مروي في الصحيحين وغيرهما، إلا أن هذه الزيادة عند الحاكم وأحمد والدارمي وأبي داود وغيرهم.
فتأملوا ما في الحديث:
آلله أمرك أن نعبده
ولا نشرك به شيئا
وأن نخلع هذه الأوثان والأنداد التي كان آباؤنا يعبدون
ولعل اللبيب العاقل المتجرد يكفيه ما ذ كرنا له من الأدلة على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تكن دعوته إلى مجرد التلفظ بكلمة التوحيد دون معرفة معناها والعمل بمقتضاها، ولكنها كانت دعوة إلى :
أن يعبد الله وحده
ولا يُشرك به شيئا
وأن يُكفر بالآلهة والأرباب والطواغيت المعبودة من دونه
وهذا الأمر قد عَلِمه المشركون قديما وعَلِمه اليهود والنصارى والفرس والروم وهو معلوم بالضرورة من دين الإسلام.
وقد ذكرنا الأدلة الكافية على أن هذه الدعوة هي دعوة جميع المرسلين، وأنهم على هذا اجتمعوا، وعلى هذا خالفوا أقوامهم المشركين، وعلى هذا كانت العداوة بين الرسل وأتباعهم وهم فريق الموحدين، وبين الملأ من الذين كفروا وأتباعهم وهم فريق المشركين.
فمن أراد أن يكون من المسلمين فليدخل في دينهم من الباب الذي دخلوا منه، وليشهد أنه لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.
ولا بد أن تكون شهادته شهادة صادقة، ولن تكون كذلك إلا بمعرفة معناها والعمل بها قولا وعملا،
فلا يعبد إلا الله ولا يعبده إلا بما شرع
ولا يشرك به شيئا
ويكفر ويجتنب بكل ما يعبد من دونه.
كما قال صلى الله عليه وسلم: ( من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله) رواه مسلم.
وفي صحيح مسلم عَنْ عُثْمَانَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ ».