صفحتي

صفحتي
مدونة ياقوم اعبدوا الله ما لكم من اله غيره
الجمعة، 31 مارس 2017

بأي شئ يتحقق التوحيد (٢) ؟

التوحيد يتحقق بثلاثة أمور :
فمن أراد أن يسلم لله ويؤمن بلا إله إلا الله كما يريده الله عز وجل فيجب عليه:
ألا يعبد إلا الله
ولا يشرك به شيئا
ويكفر بالأرباب والآلهة والأنداد وسائر المعبودات من دون الله
الأدلة من السنة والسيرة الصحيحة الثابتة
كانت دعوته صلى الله عليه وسلم رسالة عامة للعالمين ولم تكن مخالفة لدعوة الرسل من قبله بل كان على نهج من قبله من الأنبياء متبعاً ملة إبراهيم عليه السلام،  فكان يدعو قومه ليوحدوا الله ولا يشركوا به شيئا ويتركوا ما يعبد آباؤهم من دون الله . ويعبر عن هذا كله قول: "لا إله إلا الله". وقد عرفوا أنهم مطالبون بهذا الترك، قال الله عنهم: (وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ) (الصافات:36)
وإليك الدليل على ما قلنا:
1- ما جاء في الصحيح من حديث سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: (( لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ جَاءَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدَ عِنْدَهُ أَبَا جَهْلٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ فَقَالَ أَيْ عَمِّ قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ كَلِمَةً أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ....)) .الحديث
يقول  عبد الرحمن بن حسن   فيه معرفتهما لمعنى " لا إله إلا الله" لأنهما عَرَفَا أن أبا طالب لو قالها لبَرِئ من ملة عبد المطلب، فإن ملة عبد المطلب هي الشرك بالله في الإلهية، وأما الربوبية فقد أقروا بها.انتهى
ففي هذا الحديث المجمع على صحته، دلالة واضحة أنه لا يقول لا إله إلا الله إلا من برئ من كل دين أساسه الشرك بالله، وقد علم كفار قريش أن الذي أراده رسول الله منهم بقول " لا إله إلا الله" ليس مجرد اللفظ بل هو القول والاعتقاد والعمل، وأنها البراءة التامة مما كانوا عليه من دين الآباء والأجداد، والذي هو عبادة الأصنام من دون الله.
2- وفي سؤال هرقل لأبى سفيان عما يدعو إليه هذا النبي أجاب أبو سفيان بما فهمه من  دعوته والحديث ثابت في الصحيح: قال هرقل: (( .... قَالَ: مَاذَا يَأْمُرُكُمْ قُلْتُ: يَقُولُ: اعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَاتْرُكُوا مَا يَقُولُ آبَاؤُكُمْ)).  قوله: (( وَاتْرُكُوا مَا يَقُولُ آبَاؤُكُمْ)). هِيَ كَلِمَة جَامِعَة لِتَرْكِ مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّة .
فتأملوا في هذا الأثر الصحيح الواضح وضوح الشمس:
اعبدوا الله وحده
ولا تشركوا به شيئا
واتركوا ما يقول آباؤكم، (وهو الكفر بما كان يدين به المشركون)
هذا هو الإسلام الذي كان يدعوهم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
3- حديث عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ السُّلَمِيُّ في صحيح مسلم: وفيه: (( .... فَقُلْتُ: وَبِأَيِّ شَيْءٍ أَرْسَلَكَ قَالَ: أَرْسَلَنِي بِصِلَةِ الْأَرْحَامِ وَكَسْرِ الْأَوْثَانِ وَأَنْ يُوَحَّدَ اللَّهُ لَا يُشْرَكُ بِهِ شَيْءٌ قُلْتُ: لَهُ فَمَنْ مَعَكَ عَلَى هَذَا قَالَ: حُرٌّ وَعَبْدٌ)) .
فتأملو في هذا الحديث أيضا:
أن يوحد الله
لا يشرك به شيئا
وكسر الأوثان
يقول صاحب كتاب التوحيد : فليتأمل المؤمن الناصح لنفسه ما في هذا الحديث من العبر ....
إلى أن قال: وفيه من العبر أيضا أنه لما قال: " أرسلني الله". قال: بأي شيء أرسلك؟ قال بكذا وكذا. فتبين أن زبده الرسالة الإلهية، والدعوة النبوية، هو توحيد الله بعبادته وحده لا شريك له وكسر الأوثان، ومعلوم أن كسرها لا يستقيم إلا بشدة العداوة، وتجريد السيف، فتأمل زبده الرسالة.
وفيه أيضا أنه فهم المراد من التوحيد، وفهم أنه أمر كبير غريب، ولأجل هذا قال: (( ....فَمَنْ مَعَكَ عَلَى هَذَا قَالَ: حُرٌّ وَعَبْدٌ)). فأجابه أن جميع العلماء والعباد والملوك والعامة مخالفون له ولم يتبعه على ذلك إلا من ذكر، فهذا أوضح دليل على أن الحق قد يكون مع أقل القليل وأن الباطل قد يملأ الأرض. انتهى .
4- حديث ضمام بن ثعلبة وفيه: (...قال أنشدك الله إلهك وإله من قبلك وإله من هو كائن بعدك آلله بعثك إلينا رسولا؟ قال اللهم نعم. قال أنشدك الله إلهك وإله من قبلك وإله من هو كائن بعدك آلله أمرك أن نعبده ولا نشرك به شيئا وأن نخلع هذه الأوثان والأنداد التي كان آباؤنا يعبدون؟ فقال صلى الله عليه وسلم اللهم نعم ....) وأصل الحديث مروي في الصحيحين وغيرهما، إلا أن هذه الزيادة عند الحاكم وأحمد والدارمي وأبي داود وغيرهم.
فتأملوا ما في الحديث:
آلله أمرك أن نعبده
ولا نشرك به شيئا
وأن نخلع هذه الأوثان والأنداد التي كان آباؤنا يعبدون
ولعل اللبيب العاقل المتجرد يكفيه ما ذ كرنا له من الأدلة على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تكن دعوته إلى مجرد التلفظ بكلمة التوحيد دون معرفة معناها والعمل بمقتضاها،  ولكنها كانت دعوة إلى :
أن يعبد الله وحده
ولا يُشرك به شيئا
وأن يُكفر بالآلهة والأرباب والطواغيت المعبودة من دونه
وهذا الأمر قد عَلِمه المشركون قديما وعَلِمه اليهود والنصارى والفرس والروم وهو معلوم بالضرورة من دين الإسلام.
وقد ذكرنا الأدلة الكافية على أن هذه الدعوة هي دعوة جميع المرسلين، وأنهم على هذا اجتمعوا، وعلى هذا خالفوا أقوامهم المشركين، وعلى هذا كانت العداوة بين الرسل وأتباعهم وهم فريق الموحدين، وبين الملأ من الذين كفروا وأتباعهم وهم فريق المشركين.
فمن أراد أن يكون من المسلمين فليدخل في دينهم من الباب الذي دخلوا منه، وليشهد أنه لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.
ولا بد أن تكون شهادته شهادة صادقة، ولن تكون كذلك إلا بمعرفة معناها والعمل بها قولا وعملا،
فلا يعبد إلا الله ولا يعبده إلا بما شرع
ولا يشرك به شيئا
ويكفر ويجتنب بكل ما يعبد من دونه.
كما قال صلى الله عليه وسلم: ( من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله) رواه مسلم.
وفي صحيح مسلم عَنْ عُثْمَانَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ ».
نسأل الله أن يجعلنا من أهل لا إله إلا الله في الدنيا والآخرة. آمين
منقول

(١٣) كن عبدا لله وحده

تكملة لما سبق بيانه
************************

بيّنت الشريعة الإسلامية أن الإنسان المسلم الذي شهد أن "لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله" إذا ارتكب كبيرةً من كبائر الذنوب، فإنه يستحقّ أن يوصف بما فعله. وأن يجد جزاء فعله في الدنيا والآخرة إلا إذا ستره الله في الدنيا أو غفر له في الآخرة.
فإن قتل المسلمُ مسلماً بغير حقّ، يُسمَّى القاتل "قاتلاً" في الدُّنيا. ولا يمنع قوله "لا إله إلا الله" أن يوصف بالقتل.ويقال له هذا "القاتل" وأن يقتصَّ منه كمالا يمنع قوله ذلك أن يدخل النار.
قال الله تعالى: ]وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً[  [النساء:93].
وكذلك "الزاني" يسمَّى في الشريعة زانياً ولا يمنع قوله "لا إله إلا الله" أن يُقال له ذلك وأن يُجلد أو يُرجم.
قال الله تعالى: ]الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ[ [النور: 2].
كما لا يمنع قوله ذلك أن يعذب بعذاب الله في الآخرة.
قال الله تعالى: ]وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً. يُضَاعَفْ لَهُ العَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً إِلاَّ مَنْ تَابَ ....[ [الفرقان:68-70].
وكذلك "آكل الربا" يسمَّى في الشريعة آكل الربا مع قوله "لا إله إلا الله".
قال الله تعالى: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ[ [البقرة:278-279].
وقال الله تعالى:]وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ[ [البقرة:275].
وقد رأى النبي صلّى الله عليه وسلّم في منامه آكل الربا وهو في نَهر من دم لا يقدر على الخروج منه. كما رأي الزناة وهم يعذَّبون في تنورٍ أعلاه ضيّق وأسفله واسع أوقدت فيه نار عظيمة كما جاء في الحديث الصحيح.
وكذلك السارق يقال له "سارقاً" وتُقطع يده وهو يقول"لا إله إلا الله".
قال الله تعالى: ]وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللهِ[. [المائدة:38].
وكذلك القاذف يقال له "قاذفاً" ويُقام عليه حدّ القذف وهو يقول "لا إله إلا الله".
قال الله تعالى: ]وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاْ تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ[ [النور:4].
وكذلك من كذب في الحديث يقال له "كاذباً" ويكون مردود الشهادة مع قوله "لا إله إلا الله". وقد رأي النبي صلّى الله عليه وسلّم في منامه الكذّاب وهو يعذب بكلوب من حديد يدخَل في فيه فيُشَقُّ شدقه إلى قفاه ثم يفعل كذلك بشدقه الآخر، كما جاء في الحديث الصحيح.
وهكذا جميع الكبائر والبدع من فعل شيئاً من ذلك فإنه يوصف به ويلقى جزاءه. والشرك بالله كبيرة من الكبائر، بل إنه أكبر الكبائر، كما صحّ ذلك عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: {ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله وعقوق الوالدين}. [متفق عليه].
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه سألت النبي صلّى الله عليه وسلّم أي الذنب أعظم عند الله؟ قال: {أن تجعل لله نداً وهو خلقك}. [متفق عليه].
عن أبى هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: {اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا يا رسول الله وما هنّ؟ قال الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرّم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات}. [متفق عليه].

فهل يصحّ أن يُقال: إن أكبر الكبائر أخفُّ ضرراً على فاعله من سائر الكبائر، وأن يُقال: إن من أشرك بالله لا يُقال له"مشركاً" في الدنيا ولا يدخل النار في الآخرة إذا كان يقول: "لا إله إلا الله".
من الظاهر البيِّن أن ذلك لا يصحّ عقلاً ونقلاً. ولكن ما الذي جعلهم يقلِّبون الحقائق هكذا؟ إذا فكرنا في السبب، فإننا نجد أنه كامن في سوء فهمهم للتوحيد وظنِّهم بأنه "النطق" لا غير، فما دام الإنسان ينطق بـ"لا إله إلا الله" فلا شرك هناك ولا كفر. ولذلك يتعجبون من هذا السؤال ما حكم من يقول "لا إله إلا الله" وهو مع ذلك يشرك بالله؟ فيكون جوابهم على الفور لا تقل يشرك بالله، أليس يقول "لا إله إلا الله"!!  لأنّ الشرك عندهم أن يرفض الإنسان أن ينطق بـ"لا إله إلا الله" كما كان حال مشركي العرب، والتوحيد عندهم أن ينطق بهذه الكلمة مجرّد النطق. فلابدّ من تفهيمهم أولاً "حقيقة التوحيد" و "حقيقة الشرك" وأصناف المشركين قبل أن يدار معهم محاورات ومناظرات دينية فإن هذا هو الأفضل والأنسب.
]وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يشاء إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ[  [البقرة:213].
*  *  *  *  *
منقول

(١٢) كن عبدا لله وحده

شرط قبول العمل الصالح
**********************

قد بيّن الله تعالى أن الإيمان شرطٌ لقبول العمل الصالح. وأن الكافر مهما عمل لا يكون عمله مقبولاً عند الله حتى يؤمن بالله ويعبده وحده لا شريك له.
قال الله تعالى: ]فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ[  [الأنبياء:94].
وقال الله تعالى: ]مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ[  [النحل:97].
وقال الله تعالى: ]وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً[ [النساء:124].
وبيّن تعالى أنه لا يقبل أعمال المشركين. لأن المشرك ليس مؤمناً بالله لشركه. وليست معرفة المشركين بالله وأنه خالقهم ورازقهم ومالكهم ومدبّر أمرهم إيماناً إلاّ مع التوحيد وإخلاص العبادة له.
قال الله تعالى: ]وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاْءً مَّنْثُوراً[ [الفرقان:23].
وقال الله تعالى: ]وَلَوْ  أَشْرَكُوا  لَحَبِطَ  عَنْهُمْ مَّا كَانُوا   يَعْمَلُونَ[ [الأنعام:88].
وقال الله تعالى: ]لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ[ [الزمر:65].
وقال الله تعالى: ]وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَاْلآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ[   [البقرة:217].
وقد كان مشركو العرب يدّعون أنهم يؤمنون بالله،وأنه ربهم الذي خلقهم.
قال الله تعالى: ]قُلْ مَنْ رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ سَيَقُولُونَ للهِ[ [المؤمنون:86-87].
ولكن الله نفى عنهم الإيمان لشركهم.
وقال الله تعالى: ]وَقُلْ لِّلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ[   [هود:121].
وكذلك كان أهل الكتاب قد قالوا : ]نَحْنُ أَبْنَاؤُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ[ [المائدة:18]. ولكن الله نفى عنهم الإيمان لشركهم.
فقال الله تعالى: ]قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ اْلآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ[  [التوبة:29].
فإذا عرفتَ أن الله لا يقبل عملاً صالحاً إلاّ بالإيمان. وعرفتَ أنه لا يقبل أعمال المشركين. يجب عليك أن تؤمن بذلك، وتعتقده. لأنه قد دلّت عليه نصوصٌ قطعيةٌ ثابتةٌ. ثم عليك أن تعرف أن كتاب الله لا يناقض بعضه بعضاً، وإنما يصدِّق بعضه بعضاً.
فلا يجوز أن تستخلص من دلالات النصوص الصحيحة الأخرى ما يناقض هذا الذي عرفته واعتقدته. فمثلاً إذا جاءك الحديث الصحيح الذي فيه. {من حجّ هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كما ولدته أمه} لا يجوز أن تعجل وتقول أن من حجّ هذا البيت سواءً كان مشركاً أو يهودياً أو نصرانياً ينال هذه الفضيلة، لأن الحديث ورد بصيغة  تُفيد العموم. لا يجوز هذا لأنك قد عرفت واعتقدت أن الله لا يقبل أعمال الكافرين والمشركين. وإذاً فلا بدّ أن يكون العموم الوارد في الحديث مقيداً بما تقدّم ذكره من النصوص. لأن كتاب الله لا يناقض بعضه بعضاً. فيجب أن تعلم أنه لا ينال هذه الفضيلة إلا المؤمنون الذين هم بربهم لا يشركون. وأن حجّ المشركين لا يكون أبداً متقبِّلاً عند الله حتى يتوبوا من الشرك. وكلّ ما ورد في الأحاديث بصيغة العموم فهو كمثله. ومن الجهل والخطأ الظنّ بأن المشركين يمكن أن ينالوا فضائل الأعمال الصالحة، إذا فعلوا ذلك في شركهم. ونورد هنا بعضاً من هذه الأحاديث التي وردت بصيغ عامة  كأمثلة:
{ما من عبد قال "لا إله إلا الله" ثم مات على ذلك إلاّ دخل الجنة}[مسلم].
{من قال "لا إله إلا الله" نفعه يوماً من دهره}
{من صلَّى العشاء في جماعةٍ فكأنّما قام نصف اللّيل ومن صلَّى الفجر في جماعةٍ فكأنَّما قام اللَّيل كله}   [مسلم].
{من صلَّى العشاء في جماعةٍ أربعين ليلةً لا تفوته الركعة الأولى من صلاة العشاء كتب الله له بها عتقاً من النار}   [ابن ماجه].
{من صام يوماً في سبيل الله زحزح الله وجهه عن النار سبعين خريفاً}[الترمذي/والنسائي]
{المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده}   [متفق عليه].
{أنا وكافل اليتيم له أو لغيره كهاتين في الجنة}   [متفق عليه].
{من مات له ثلاثة من الولدلم يبلغوا الحنث كان له حجاباً من النار- أو دخل الجنة}  [البخاري].
{من كظم غيظاً وهو يستطيع أن ينفذه دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق حتى يخيره من أي الحور شاء}.  [أبو داود/الترمذي].
{من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو، وضمّ أصابعه} [مسلم].

فجميع هذه الأحاديث: وكل ما جاء على هذا النمط الذي فيه "أن من فعل كذا فله كذا وكذا" فالمراد هو: من فعل كذا من المؤمنين الذين هم بربهم لا يشركون. ولا يشمل العموم الوارد في كل حديث من هذه الأحاديث وغيرها المشركين والمرتدين والمنافقين.
وبيَّن الله تعالى كذلك أنه لا يغفر أن يُشرك به وأنه حرَّم الجنة عن المشركين وأنهم مخلّدون في النار.
قال الله تعالى: ]إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَادُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاْءُ[   [النساء:116]. 
وقال الله تعالى: ]إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ[  [المائدة:72].
وقال صلّى الله عليه وسلّم: {من لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة ومن لقيه يشرك به شيئاً دخل النار}   [مسلم].
وقال أيضا: {من مات وهو يدعو من دون الله نداً دخل النار}  [البخاري].
فيجب على المسلم أن يعتقد ذلك الذي دلّت عليه الأدلّة القطعية الثابتة. وأن لا يشكّ في دخول المشرك النار وخلوده فيها وتحريم الله عليه الجنة.
وأن لا يشكّ كذلك أن ذلك عامٌ في جميع المشركين الذين لا يقولون "لا إله إلا الله" والذين يقولونها. لأن الله لم يفرق بينهم بل بيَّن أن المشركين الوثنيين وأهل الكتاب يدخلون النار ويخلدون فيها. ومعلوم أن أهل الكتاب يقولون "لا إله إلا الله".
قال الله تعالى: ]إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ[  [البينة:6].
وبيَّن كذلك أن المنافقين في الدرك الأسفل من النار. ومعلوم أنهم كانوا يقولون "لا إله إلا الله" ويصلُّون ويحجّون.
قال الله تعالى:] إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ اْلأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً[. [النساء:145].
وبيَّن كذلك أن المرتدين يدخلون النار، ويخلّدون فيها. وقد كان كثير منهم يقولون "لا إله إلا الله" كبني حنيفة ومانعي الزكاة وغيرهم.
قال الله تعالى:]وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَاْ والآخرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ[ [البقرة:217].
فإذا آمنت بِهذه الآية وعرفت أن التلفظ بكلمة التوحيد لا ينجى الكافرين من دخول النار وخلودهم فيها. عندئذٍ تعرف عظم الجريمة التي يرتكبها أهل الانحراف الذين يقولون من قال "لا إله إلا الله" دخل الجنة وإن وقع في الشرك فعبد مع الله غيره. فنقول لهؤلاء الذين سلكوا مسلك اليهود في تحريف الدِّين.

القرآن دلّ على أن من مات على الشرك والكفر والنفاق يدخل النار، ويخلد فيها. ولن ينفعه قوله "لا إله إلا الله". فهل عندكم آية واحدة أو خبر واحد صحيحٌ يدلُّ على أن من مات على الشرك والكفر والنفاق ينجو من النار، أو يخرج من النار بفضل قول "لا إله إلا الله"؟.
ونقول لهم أيضا: القرآن دلّ –وكذلك السنة- على أن بعض الناس يدخلون النار بسبب ذنوبهم التي هي دون الشرك بالله، ولم يحجزهم إسلامهم وقولهم "لا إله إلا الله" عن دخول النار. فهل عندكم أدلة صحيحة تدلّ على أن قول "لا إله إلا الله" ينفع في الآخرة من مات على الشرك، ولا ينفع من مات على الإسلام ؟
ونقول لهم أيضاً: قد دلّت السنة الصحيحة على أن الله سيخرج من النار أقواماً يقولون "لا إله إلا الله" ممن كانوا لا يشركون به شيئاً بفضله وكرَمه. لأنَّ الله يغفر ما دون الشرك به لمن يشاء. فمن أين وجدتم أنتم الأدلّة القاضية بأنّ أهل الشرك والنفاق كذلك سيخرَجون من النار بسبب ما كانوا يقولونه بألسنتهم في الدُّنيا بغير صدقٍ ولا إخلاصٍ ولا يقينٍ؟.

*  *  *  *  *
منقول

(١١) كن عبدا لله وحده

معنى الإيمان بالله
********************

إن سعادة المرء في الدنيا والآخرة مرتبطةٌ بإيمانه بالله .
فمن آمن بالله كُتبت له السعادة في الدَّارَين. ومن لم يؤمن بالله كتبت له الشقاوة في الدارين. وصار في الدنيا عدواً لله، ملعوناً، تصيبه قارعةٌ من الله أو تحلّ قريباً من داره حتى يأتي وعد الله.
وقال الله تعالى: ]وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ  أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِّنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللهِ[   [الرعد:31]. 
وقال أيضا: ]فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ[  [البقرة:98].
وقد أحلَّ الله للمؤمنين دماء الكافرين، وأموالهم حتى لا تكون فتنةٌ ويكون الدِّين كله لله. وحتى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون.
وقال الله تعالى: ]وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للهِ[ [الأنفال:39]
وقال أيضا: ]قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلاْ بِالْيَوْمِ اَلآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ[ [التوبة:29].
وصار من لم يؤمن بالله في الآخرة من الخالدين في العذاب المهين.
قال الله تعالى: ]وَمَنْ لَّمْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيراً[ [الفتح:13].
ومن هنا تدرك ضرورة الإيمان بالله لمن أراد السعادة والنجاة في الدنيا والآخرة. ولكن يجب عليك أن تعرف معنى الإيمان بالله معرفةً صحيحةً. فالخطأ في هذه المسألة ليس كالخطأ في المسائل الأخرى الفرعية. وقد انحرف كثيرون وزاغوا عن المعرفة الصحيحة لمعنى الإيمان بالله الذي أوجبه الله على عباده، وجعل سعادتهم ونجاتهم متعلَّقة بتحقيقه.
والإيمان كما هو في تعريف علماء السلف الموافق للأدلّة الصحيحة هو:
(تصديقٌ وإقرارٌ بالقلب وقول باللِّسان وعملٌ بالجوارح).
ومعنى ذلك أن أحداً لا يكون مؤمناً بالله حتى يؤمن بالله بقلبه ولسانه وجوارحه. 
أولاً: الإيمان بالقلب:
1- لا يكون أحد مؤمناً بالله بقلبه حتى يعرف ويستيقن أن الله هو رب العالمين وخالق الكون ومالكه ومدبِّر أمره، وأنه لا شريك له في ذلك كله.
فمن عُرف أنه جاحدٌ منكرٌ لهذه الحقيقة لا يكون مؤمناً بالله بلسانه وجوارحه ولا ينفعه قوله "لا إله إلا الله" وإقامته للصلاة والزكاة،
وقد أقرّ غالب المشركين بهذا القدر من الإيمان، ولم ينكره إلا الملاحدة الذين كانوا دائماً قلّة.
قال الله تعالى: ]قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِّنَ السَّمَاءِ وَاْلأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَاْلأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ ويُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ اْلأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللهُ[  [يونس:31].
وقال الله تعالى: ]وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَاْلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ[ [الزخرف:9].
2- ولا يكون أحد مؤمناً بالله بمعرفته لهذه الحقيقة وحدها حتى يعرف ويستيقن أن الله وحده هو الإله الذي لا إله إلا هو، المستحقّ لأن تُخلص له العبادة، كالدعاء والرجاء والخوف والتوكل والذبح وأن تُخلص له الطاعة والاتّباع.
وقد كان المشركون دائماً ينكرون هذه الحقيقة وينفرون من حديث إخلاص العبادة لله مع إقرارهم للحقيقة التي قبلها.
قال الله تعالى: ]وَإِذَا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ[  [الزمر:45].
وقال الله تعالى: }فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ{   [غافر:84].
فدلّ ذلك على أن أحداً لا يكون مؤمناً بالله بقلبه حتى يؤمن بهذه الحقيقة ويستسلم لها.فإنه إذا كان الإيمان بربوبية الله للعالمين كافياً في الإيمان بالله، لكان المشركون الذين قاتلهم النبي صلّى الله عليه وسلّم مؤمنين.
قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: ]وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ[. [يوسف:106].
قال: من إيمانهم إذا قيل لهم من خلق السماوات ومن خلق الأرض ومن خلق الجبال؟ قالوا الله وهم مشركون به.
ومن عُرِفَ أنه جاحدٌ منكرٌ لهذه الحقيقة، وأنه يعتقد الشركاء والشفعاء المعبودين من دون الله. أو عُرِفَ أنه يعتقد صلاحية شرائع الطواغيت وملائمتها للعصر وأفضليتها على شريعة الله، فقد عُرِفَ أنه لم يؤمن بالله بقلبه. ومن لم يؤمن بالله بقلبه لا يمكن أن يكون مؤمناً بالله بلسانه وجوارحه، حتى يؤمن أولاً بقلبه.
أي أن من عُرِفَ بشركه بالله واعتقاده القلبي المخالف للتوحيد لا يكون مسلما بقول "لا إله إلا الله" وإقامته للصلاة والزكاة حتى يتوب من الكفر الذي اعتقده ورآه حقّاً وصواباً. أما من لم يُعرف بشركه وكفره وأخفي ذلك عن الناس وأظهر لهم الإسلام والتوحيد فله حكم المنافقين.
وكل من أخطأ في هذه المسألة وحكم على أهل الشرك -الذين عُرِفَ شركهم من إقرارهم وشهادتهم على أنفسهم ومشاهدة أفعالهم- بالإسلام بحجة أنهم يقولون "لا إله إلا الله" فإنه لم يفهم معنى الإيمان بالله وظنّ أن ذلك يتمّ بالإيمان بتوحيد الربوبية دون توحيد الألوهية، وهذا جهلٌ عظيمٌ بأهمّ قضايا الدِّين الإسلامي التي نزلت أكثر السور القرآنية بتقريرها.
3- وكذلك لا يكون أحد مؤمناً بالله بقلبه، وإن ادّعى أنه يوحّد الله تعالى في الربوبية والألوهية حتى يؤمن بملائكة الله وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشرِّه.
قال الله تعالى: ]وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ اْلآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاْلاً بَعِيداً[ [النساء:136].
وقال الله تعالى: ]إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بـَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً. أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا[ [النساء:150-151].
ومن عُرِفَ أنه جاحدٌ منكرٌ لهذه الحقائق أو بعضها فقد عُرِفَ أنه لم يؤمن بالله بقلبه، ومن عُرِفَ أنه لم يؤمن بالله بقلبه لا يمكن أن يكون مؤمناً بالله بلسانه وجوارحه حتى يؤمن أولاً بقلبه، أي أن من عُرِفَ بكفره بالملائكة أو ببعض رسل الله أو عُرِفَ بإنكاره للبعث لا يكون مسلماً بقول"لا إله إلا الله" وإقامته للصلاة والزكاة وغيرها حتى يتوب من الكفر الذي اعتقده ورآه حقّاً وصواباً. أما إذا أخفي كفره عن الناس، وأظهر لهم الإسلام والتوحيد صار منافقاً له حكم المنافقين في الدنيا والآخرة.
4- ومن عرفَ الله تعالى واستحقاقه لإخلاص العبادة له وعَرف الملائكة والكتب والرسل والبعث بعد الموت، ولكنه استكبر عن الانقياد لأمر الله صار كافراً مستكبراً كإبليس وفرعون، ولم يعد مؤمناً بالله بقلبه. لأن الاستكبار عن الانقياد لأمر الله ينافي  المحبّة والخضوع والتذلّل القلبي لله.
قال الله تعالى: ]وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ[   [البقرة:34].
ومن عُرِفَ باستكباره عن الانقياد لأمر واحدٍ من أوامر الله، فقد عُرِفَ أنه لم يؤمن بالله بقلبه، ومن لم يؤمن بالله بقلبه لا يمكن أن يكون مؤمناً بالله بلسانه وجوارحه حتى يؤمن أولاً بقلبه. أي أن من عُرِفَ باستكباره عن الانقياد لله في أمر من أوامره لا يكون مسلماً بقوله "لا إله إلا الله" وإقامته للصلاة والزكاة وغير ذلك حتى يتوب من كفر الاستكبار.
أما إذا أخفي كفره عن الناس وأظهر لهم الإسلام والانقياد صار منافقاً له حكم المنافقين في الدنيا والآخرة.
كذلك ولا يكون أحد مؤمناً بالله بمعرفته لهذه الحقيقة وحدها حتى ينزه الله سبحانه وتعالى ويومن باسماءه وصفاته كما وصف الله بها نفسه ووصفه بها نبيه صلى الله عليه وسلم دون تعطيل ولا تمثيل ولا تشبيه
ثانيا : الإيمان باللسان:
1- فيجب على كل إنسان أن يشهد أن "لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله". وهذه الشهادة تُعبير عن إجابته إلى الإيمان وبراءته من الشرك. فإذا قالها صدقاً من قلبه غير شاكّ مستيقناً بها قلبه، خالصاً من قلبه يبتغي بذلك وجه الله وكفر بما يُعبد من دون الله نفعته الكلمة في الدنيا والآخرة وكانت أفضل أعماله التي يلقى بها الله. كما ثبت ذلك في الأحاديث الصحيحة التي منها:
حديث أنس بن مالك الذي فيه:{ما من عبد يشهد أن "لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله" صدقاً من قلبه إلا حرّمه الله على النار}  [متفق عليه].
وحديث أبى هريرة الذي فيه أن رسول صلّى الله عليه وسلّم قال: {أشهد أن "لا إله إلا الله وأنى رسول الله" لا يلقى الله بهما عبدٌ غير شاكّ فيحجب عن الجنة} [مسلم].
وحديث عتبان ين مالك الذي فيه: {فإن الله حرّم على النار من قال "لا إله إلا الله" يبتغي بذلك وجه الله}  [متفق عليه].
وحديث أبى هريرة الذي فيه: {اذهب فمن لقيت وراء هذا الحائط يشهد أن "لا إله إلا الله" مستيقنا بها قلبه فبشره بالجنة} [مسلم].
وحديث أبى هريرة: {لما قال للنبي صلّى الله عليه وسلّم: من أسعد الناس بشفاعتك؟. قال: من قال "لا إله إلا الله" خالصاً من قلبه}.  [البخاري]
وحديثه:{الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة فأفضلها قول "لا إله إلا الله" وأدناها إماطة الأذى عن الطريق.والحياء شعبةٌ من الإيمان} [متفق عليه].
وإن قالها في الشكّ والكفر والنفاق، ولكنه أخفي ذلك عن الناس، نفعته في الدنيا ولم تنفعه في الآخرة. وكان في أسفل دركات النار. أما إذا قالها وهو يُظهر الشرك والكفر والاستكبار عن الانقياد لله لم تنفعه في الدنيا والآخرة.
]إِنَّ اللهَ لاْ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَادُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ[ [النساء:116].
]إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ[  [المائدة:72].
]وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلاَ يَجِدُونَ لَهُمْ مِّنْ دُونِ اللهِ وَلِيّاً ولا نَصِيْراً[   [النساء:173].
2- ويجب كذلك على كل مسلم أن يأتي بما يجب عليه من العبادات القوليه كالقراءة والذكر في الصلاة وخارج الصلاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصدق والاستغفار من الذنوب، وأن يكفّ عما نهى عنه من الأقوال المحرّمة فكل ذلك من الإيمان.
ثالثا: الإيمان بالجوارح.
فيجب على كل مسلم أن يكون مؤمناً بالله بجوارحه، أي أن يكون فاعلاً للواجبات، تاركاً للمحرّمات، بعد إيمانه بالله بقلبه ولسانه. ومن استحلّ فعل المحرّم أو ترك الواجب يكون بالاستحلال كافراً خارجاً عن الملّة وكذلك من فعل الكفر الاكبر يحكم بكفره  .
وإن وقع في المحرّم أو ترك الواجب وهو غير مستحلّ لذلك بل يشعر بالخطيئة والخوف من عقاب العصيان.يكن فاسقاً من أهل الوعيد،ليس خارجاً عن الملَّة،
(ولكن يُستثنى من ذلك تارك الصلاة فإنه كافرٌ  بتركها، كما دلّت علي ذلك الأحاديث الصحيحة).
ويُقال له "مسلم" ولا يقال له "مؤمن" أو يقال "مؤمنٌ بإيمانه فاسقٌ بكبيرته". قال الله تعالى: ]بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ اْلإِيْمَانِ[ [الحجرات:11].
والنصوص التي ورد فيها نفي الإيمان عن مرتكب الكبيرة يُراد منها أنه لم يأت بالإيمان المطلق الذي يوجب دخول الجنة بغير عذاب. وأنه قد نقص من إيمانه بقدر ما ارتكب فصار من أهل الوعيد الذين هم تحت مشيئة الله.
ومن هذا التلخيص لحقيقة الإيمان نستخلص عدة أمور:
الأول: أن من كفر بالله وملائكته وكتبه  ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشرّه هو الكافر الحقيقي الذي كفر باعتقاده الباطن، وقد كتب الله الدخول في النار له. ولكنه إذا أظهر كفره في الدنيا عُوقب به في الدنيا والآخرة. وإن أخفاه في الدنيا وأظهر الإيمان والإسلام صار منافقاً له ما للمنافقين  في الدنيا والآخرة.
والثاني: إن الكافر بالله هو الذي يُنكر وجود الله وربوبيته في الخلق والملك والرزق والتدبير، والذي يُنكر توحيد الألوهية ويجعل لله شريكاً في العبادة والطاعة، والذي يستكبر عن الانقياد لأوامر الله، والذي يُنكر الملائكة والكتب والرسل والبعث والقدر خيره وشرّه أو بعض هذه الحقائق.
ولا فرق بين هذه الأصناف الأربعة في كونهم من الكفار الذين لم يؤمنوا بالله اعتقاداً، ونفي الإيمان عن هذه الأصناف نفيٌ لوجوده لا لكماله.
الثالث:  ومن عُرِفَ كفره الاعتقادي الباطن ( مع العلم بقاعدة التلازم بين الظاهر والباطن فمن فعل الكفر فهو كافرا ظاهرا وباطنا ) وعدم إيمانه بالله لا ينفعه إيمانه باللِّسان والجوارح في الدنيا والآخرة، حتى يتوب من كفره الاعتقادي. فمن عُرف إنكاره للبعث لا يكون مسلماً بقوله "لا إله إلا الله" وإقامته للصلاة والزكاة وغير ذلك. ولا يدخل الجنة بفضل "لا إله إلا الله" حتى يتوب من كفره ويقرّ بالبعث بعد الموت.
وكذلك من عُرف بشركه بالله واعتقاده للشركاء والشفعاء والطواغيت المطاعة من دون الله، لا يكون مسلماً بقوله "لا إله إلا الله" وإقامته للصلاة والزكاة وغير ذلك.ولا يدخل الجنة بفضل"لا إله إلا الله" حتى يتوب من كفره ويخلص العبادة والطاعة لله.
الرابع: إن شهادة أن "لا إله إلا الله" تنفع الإنسان في الدنيا إذا قالها وهو غير متلبس بالشرك والكفر.وقد كفر في ظاهره بكلّ ما يُعبد من دون الله.
ولا تنفع الإنسان في الآخرة إلاّ إذا قالها بصدقٍ ويقينٍ وإخلاصٍ مبتغياً بذلك وجه الله.
الخامس: إن الأعمال من الإيمان. ومن أخلّ ببعضها بدون استحلال لذلك كان ناقص الإيمان ومن أهل الوعيد. ونفي الإيمان عنه نفيٌ لكماله لا لوجوده. ولا يجوز تكفير المسلم بذنبٍ ما لم يستحلّه.
*  *  *  *  *  *
منقول

عربي باي