صفحتي

صفحتي
مدونة ياقوم اعبدوا الله ما لكم من اله غيره
الأربعاء، 30 نوفمبر 2016

(٦) وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون

القول المطلوب من المشركين
*************************

قد بيَّن القرآن أن الإنسان إذا اعتقد أن أحداً من دون الله يملك السلطة والقدرة على النفع أو الضرّ. ثم أخذ يدعوه ويستغيث به في جلب المنافع ودفع المضارّ مما لا يقدر عليه إلا الله أنه قد اتّخذه إلهاً.
قال الله تعالى: ]وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللهِ قُلْ أَتُنَبِّؤُنَ اللّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السماوات وَلاَ فِي اْلأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ   [ [يونس:18].
وقال الله تعالى: ]وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللهِ إِلَهاً آخَرَ لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ اْلكَافِرُونَ[   [المؤمنون: 107].
وقد جعل الله للإنسان قلباً يؤمن ويعتقد،ولساناً يعبر عما في قلبه من الاعتقادات. فيمكن معرفة عقائد الناس، وما تكنُّه صدورهم عن طريق التعبير والبيان بالألسنة، فمن أشرك بالله واعتقد هذا الاعتقاد الذي تحكى الآيات عنه من الطبيعي أن يتكلَّم بما يعتقده ويراه حقاً.وأن يقول بلسانه ما في قلبه، وكذلك يعمل افعال تعبر عن اعتقاده فيقول مثلاً:
}هَؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللهِ[ [يونس:18]
]مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللّهِ زُلْفَى[   [الزمر:3]
]هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ[  [طه:88]
]مَنْ فَعَلَ هَذَا بآلهتنا{  [الأنبياء:62]
]وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ[ [هود:53]
أي أن الإنسان المشرك من الطبيعي أن يشهد ويقول بلسانه أن مع الله آلهة أخرى. والمشركون لما أُمروا بأن يشهدوا أن "لا إله إلا الله"، لم يكن المراد منهم أن يقولوا بأفواههم ما ليس في قلوبهم. وإنما كان المراد أن يتركوا هذا الاعتقاد الباطل الذي لا يقوم على برهان،وهذه الشهادة التي يشهدونها بألسنتهم في آن واحد.
قال الله تعالى:]أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ[ [الأنعام:19]
فإن وُجد إنسان يقول بلسانه أشهد أن "لا إله إلا الله" وهو يعتقد أن "الوليّ" الفلاني يسمع الدعاء، ويقدر على الإغاثة،وتفريج الكربات، فإنه لم يشهد شهادة الحق بعدُ. لأنه شهد أولاً أن "لا إله إلا الله" ثم شهد بعدها أن مع الله إلهاً آخر. فأبطل بذلك شهادته الأولى وصار من المشركين الذين يشهدون أن مع الله آلهة أخرى.
ولا فرق في الحقيقة، بين أن يسمّى الوليَّ الذي يدعوه ويرجوا خيره ويتّقى شرّه "إلهاً" أم لم يسمّه بهذا اللّفظ، وسمّاه بلفظٍ آخر، مثل "الوليّ" أو "السيد" أو "الشيخ" فالاختلاف في الألفاظ والاصطلاحات لا يغيّر شيئاً عن حقيقة الحكم الذي أعطاه القرآن لمن اعتقد هذا الاعتقاد الكافر، وشهد هذه الشهادة الباطلة.
وقوله صلّى الله عليه وسلّم :{أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن "لا إله إلا الله"}. معناه: "أُمرت أن أُقاتلهم حتى يشهدوا أن "لا إله إلا الله" ويكفروا بشهادتهم "أن مع الله آلهة أخرى" أي "أقاتلهم حتى يتركوا قولهم:
]هَؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ الله[ [يونس:18]
]مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى[ [الزمر:3]
وغير ذلك من أقوالهم وشهاداتهم الشركية. وكذلك قوله صلّى الله عليه وسلّم: {أُمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا "لا إله إلا الله"}. معناه: "أُمرت أن أقاتلهم حتى يقولوا"لا إله إلا الله"ويكفروا بقولهم أن مع الله آلهة أخرى. أي أقاتلهم حتى يتركوا قولهم: ]هَؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ الله[ [يونس:18]
]مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى[ [الزمر: 3]
وغير ذلك من أقوالهم الشركية.
وقد كان المشركون يفهمون جيداً لما طُلب منهم أن يقولوا "لا إله إلا الله"،إنه يُراد منهم أن يقولوا هذه الكلمة مع تركهم للقول المخالف لها الذي كانوا يقولونه في جاهليتهم.
فقد ورد في صحيح البخاري أن هرقل، ملك الروم، سأل أبا سفيان وهو على شركه عن أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: ماذا يأمركم؟ فأجابه أبو سفيان قائلا: "يقول: أُعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئاً واتركوا ما يقول آباؤكم، ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصلة". فقد فهِم أبو سفيان من الدعوة إلى شهادة أن "لا إله إلا الله" الموجهة إليهم، أنها تطلب منهم أن يتركوا ما يقول آباؤهم الذين يشهدون أن مع الله آلهة أخرى. فكان أصحّ فهماً من كثيرٍ من مدّعى العلم في هذا الزمن الذين يقولون إن الإسلام هو النطق بكلمة "لا إله إلا الله". وإن كان الناطق مع ذلك يشهد بأن مع الله آلهة أخرى.
وبيّن القرآن كذلك،أن من أطاع غير الله في التحليل والتحريم واتّخذ أوامره شريعةً واجبة الإتّباع، أنه قد اتّخذه إلهاً وشريكاً مع الله.
قال الله تعالى: ]أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ[ [الشورى:21]
وقال الله تعالى: ]إتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْباَباً مِنْ دُونِ اللهِ وَاْلمَسِيحَ ابن مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُون[ [التوبة:31]
وقال الله تعالى:]وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللهِ[ [آل عمران:64]
وقال الله تعالى: ]وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ[ [الأنعام:121]
ومن الأمور الطبيعية أن يتكلَّم هذا الإنسان الذي اتَّخذ الشركاء واتّبع غير الله في التحليل والتحريم بما يعتقده، وأن يعبر لسانه عما في قلبه وأن يقول مثلا:
]هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ[  [النحل:116]
]هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لا يطعمها إِلاَّ مَنْ نَّشَاءُ[ [الأنعام:138]
]مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ اْلأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَّيِّتَةً فَهُمْ فِيهِ  شُرَكَاءُ[      [الأنعام:139]
وهؤلاء المشركون الذين كانوا يتّبعون شرائع لم يأذن بها الله، لما جاءهم الإسلام ودعاهم النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى أن يشهدوا أن "لا إله إلا الله"، لم يكن المراد أن يقولوا بأفواههم ما ليس في قلوبهم. وإنما كان المراد أن يعبدوا الله في التحليل والتحريم وأن يكفروا بالطاغوت، ويجتنبوا عبادته وطاعته في التحليل والتحريم. وكان المراد كذلك ألاّ يقولوا بألسنتهم هذا حلالٌ أو حرامٌ إلا أن يكون ذلك موافقاً لشريعة الله.
قال الله تعالى: ]فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِاْلعُرْوَةِ اْلوُثْقَى[  [البقرة:256]
وقال الله تعالى: ]وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وأنابوا إِلَى اللهِ لَهُمُ اْلبُشْرَى[ [الزمر:17]
وقال الله تعالى: ]قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمْ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللهَ حَرَّمَ هَذَا فَإِنْ شَهِدُوا  فَلاَ تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كذَّبُوا بآياتنا وَالَّذِينَ لا يؤمنون بِاَلآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ[  [الأنعام:150]
وقد بيَّنت هذه الآية الأخيرة أن من اتّبع غير الله في التحليل والتحريم المخالف لكتاب الله، يكن مكذِّباً بآيات الله، وكافراً بالآخرة، وجاعلاً لله شريكاً وعديلاً. ومن المعلوم أن المشركين الذين كانت الآية تخاطبهم عند نزولها كانوا يظنُّون أن ما يزاولونه من التحليل والتحريم شريعة الله التي ورثوها عن الآباء والأسلاف.
]وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللهُ أَمَرَنَا بِهَا[ [الأعراف:28]
فإذا كانت هذه منْزلتهم عند الله مع ظنِّهم أنهم إنما يتّبعون شريعة الله. فكيف تكون منْزلة المشركين المعاصرين الذين لا يرون الله سبحانه مستحقّاً للتشريع لعباده في هذا العصر. والذين يفضِّلون شرائع الكفرة على شريعة الله؟. لاشكّ أنهم أشدُّ كفراً وشركاً وتكذيباً بآيات الله.
فإن وُجد إنسان يقول بلسانه أشهد أن "لا اله إلا الله" وهو يعتقد أن شريعة غير الله واجبة الإتّباع وأنّها صالحةٌ وعادلةٌ ويحكم ويتحاكم الى غير شريعة الله حتى وان اعتقد فساد هذا التشريع الآخر . فإنه لم يكفر بالطاغوت ولم يشهد شهادة الحق بعدُ. لأنَّه شهد أن "لا إله إلا الله" أولاً ثم شهد ثانياً أن مع الله إلهاً آخر. فأبطل شهادته الأولى.
وقوله صلّى الله عليه وسلّم :{أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن "لا إله إلا الله" أو حتى يقولوا "لا إله إلا الله"}.معناه:"أُمرت أن أقاتلهم حتى يقولوا ويشهدوا أن "لا إله إلاّ الله"، ويكفروا بقولهم وشهادتهم أن مع الله آلهة أخرى" أي: أقاتلهم حتى يتركوا قولهم:  ]هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ[ [النحل: 116]
]هَذَهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لاَّ يَطْعَمُهَا إِلاَّ مَنْ نَّشَاءُ[ [الأنعام: 138]
]ما فِي بُطُونِ هَذِهِ اْلأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا[ [الأنعام:139]. وما أشبه ذلك من الأقوال والشهادات الشركية.
وخلاصة القول هي أن الإنسان إذا شهد أن "لا إله إلا الله" وهو يشهد أن مع الله آلهة أخرى فلا قيمة ولا وزن لشهادته أن "لا إله إلا الله" لسببين:
الأول: إنه شهد شهادتين متناقضتين كلّ واحدة منهما تنقض الأخرى كمن قال : (الخمر حرام )  (والخمر حلال) فيكون قوله ساقطاً.
الثاني:  إنه قد تبيَّن أنه يقول بلسانه ما ليس في قلبه، إذ لو كان قوله أشهد أن "لا إله إلا الله" من قلبه ما أبطلها بقوله وفعله "أن مع الله آلهة أخرى"
ولا فرق بين من يعبد غير الله، ويسمَّى معبوده  "إلهاً " و "ربّاً " وبين من يعبد غير الله ويسمَّى معبوده "ولياً " أو"سيداً" أو" شيخاً" أو"رئيساً" أو "ملكاً". فلا عبرة باختلاف الألفاظ إذا تشابهت القلوب، واتّفقت النيات والأعمال.
*  *  *  *  *
منقول

(٥) وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون

الحنيف والحنيفية
*****************

قد ذكر الله تعالى إبراهيم عليه السلام في كتابه كثيراً. ووصفه بأنه كان حنيفاً، وأنه لم يكن من المشركين.
قال الله تعالى:]إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً للهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ اَلْمُشْرِكين﴾ [النحل:120]
وقال الله تعالى: ]قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بريءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ. إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السماوات وَاْلأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِنَ اْلمُشْرِكِينَ[ [الأنعام:78-79]
ومعنى (الحنيف) هو كما ذكر  في التفسير لهذه الآية : (حنيفاً) أي في حال كوني حنيفاً.أي مائلا عن الشرك إلى التوحيد. ولهذا قال وما أنا من المشركين.
ف (الحنيف) المقبل على الله المعرض عن كل ما سواه.
(والحَنِيفية) هي دين إبراهيم، ومعناها. الإقبال على الله والميل إلى عبادته وحده بلا شريك، والبراءة من الشرك، ومن أهل الشرك. وهذا هو الإسلام الذي أمره الله. ومقتضى الإقرار بـ "لا إله إلا الله".
وقد بعث الله تعالى محمدا صلّى الله عليه وسلّم بالحنِيفية ملة إبراهيم عليه السلام فأمره أن يكون حنيفاً وأن لا يكون من المشركين وبيَّن أنها دين الفطرة وأنها أحسن الأديان.
قال الله تعالى: ]ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وما كان مِنَ اْلمُشْرِكِين[ [النحل:123]
وقال الله تعالى: ]وَمَنْ أَحْسَنُ دِيْنًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً[   [النساء:125]
وقال الله تعالى: ]قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ. دِيْناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وما كان مِنَ اْلمُشْرِكِينَ. قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ اْلعَالَمِينَ. لاَ شَرِيكَ لَهُ وبذلك أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ[  [الأنعام:161-163].
وقال الله تعالى:]فَأَقِمْ وَجْهَكَ للِدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِكَ الدِّينُ اْلقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُوْنَ.مُنِيـبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَلاَ تَكُونُوا مِنَ اْلمُشْرِكِينَ[ [الروم:30-31].
وقال الله تعالى: ]قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِّنْ دِينِي فَلاَ أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ  اللهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ اْلمُؤْمِنِينَ. وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ اْلمُشْرِكِينَ[  [يونس:104-105].
وقال الله تعالى: ]فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ اْلأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ حُنَفَاءَ للهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ[   [الحج:30-31].
فمن هذه الآيات وأمثالها في القرآن، نستخلص عدّة حقائق هامّة، أهمُّها:

(1) أن الحنيفية هي الدِّين الوحيد الذي يرضاه الله لعباده. ومعناها أن يعبد الإنسان الله مخلصاً له الدِّين، وأن يتبرّأ من الشرك ومن أهل الشرك.
(2) أن الحنيفية هي الإسلام وأن الإسلام هو الحنيفية وقد جاء في الحديث: {بُعثت بالحنيفية السمحة} [رواه أحمد].
(3) أن الحنيف هو المسلم وأن المسلم هو الحنيف. فكما لا يجوز أن يُقال لمن أشرك هو "الحنيف"، لا يجوز كذلك أن يُقال "هو مسلم".
"فالقلب إن لم يكن حنيفاً مقبلاً على الله معرضاً عمَّا سواه كان مشركاً" .
والغافلون عن هذه الحقائق الكبيرة من مدّعى العلم والفقه في هذا الزمن جاءوا بتفصيل عجيب،لم يسبقوا إليه حيث قالوا. من قال "لا إله إلا الله" بلسانه فهو المسلم. فإن قال "لا إله إلا الله" ثم عبد الله وحده فهو المسلم الحنيف، وإن قال "لا إله إلا الله" ثم أشرك بالله فهو مسلم وإن لم يكن حنيفاً.
ففرّقوا بين الإسلام والحنيفية، كما فرّقوا بين المسلم والحنيف ولم يعلموا أن من أشرك بالله كما لا يكون حنيفاً لا يكون كذلك مسلماً. إذ لا فرق بين الصفتين.
ولم يعلموا كذلك أن الإنسان قد يقول "لا إله إلا الله" بصدق ويقين وإخلاص، وقد لا يقول. وأنّ هناك فرقاً بين قائلها بصدق ويقين وإخلاص، وبين قائلها بشركٍ وشكٍ ونفاقٍ. ولم يعلموا أن قائل "لا إله إلا الله" في كفره وشركه يكون على إحدى حالتين:
الأولى: أن يكون كفره ظاهراً، فيحكم بكفره مع قوله "لا إله إلا الله" وتجرى عليه أحكام أمثاله من الكفار.
الثانية: أن يكون كفره باطناً ويبدى التوحيد والإخلاص والبراءة من الشرك في الظاهر، فيكون حينئذٍ منافقاً في الدرك الأسفل من النار مع قوله "لا إله إلا الله"، ولكنه في الدنيا تجرى عليه أحكام المسلمين لإتيانه بالإسلام الظاهر.
فاليهود مثلاً: كانوا على الحالة الأولى. كانوا يقولون "لا إله إلا الله" ويدَّعون أنهم على ملة موسى وإبراهيم عليهما السلام. فأبطل القرآن زعمهم، بأنهم يشركون بالله وليسوا بحنفاء. وأنهم خالفوا بذلك ملَّة الأنبياء الذين هم كانوا على الحنيفية. وأنهم أصبحوا كفاراً.
قال الله تعالى: ]وَقَالُوا كُونُوا هُوداً  أَوْ  نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ اْلمُشْرِكِينَ[  [البقرة:135]
وقال الله تعالى: ]مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ اْلمُشْرِكِينَ[  [آل عمران:67]
وقال الله تعالى:]قُلْ يَا أَهْلَ اْلكِتَابِ تَعَالَوْا  إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاّ اللهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّواْ فَقُولُوا اَشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ[ [آل عمران:64]
فلظهور شركهم وكفرهم، وإصرارهم عليه، اعتبرهم القرآن كفاراً. ولم ينفعهم قولهم "لا إله إلا الله". إذ كان ذلك القول في كفرهم.
وكذلك المرتدون الذين ظهروا في عهد الصحابة، وما بعده. كانوا على الحالة الأولى. فقد كفروا وأشركوا وخرجوا عن الحنيفية، وهم لا يزالون يقولون بأفواههم "لا إله إلا الله". فلم ينفعهم القول، بل حكم عليهم بالكفر. ونفذ فيهم أحكام المرتدين بحزمٍ وصرامةٍ شديدة.
أما المنافقون فقد كانوا على الحالة الثانية،حيث كانوا يُظهرون الإسلام، وموافقة الحنيفية، ويبطنون الكفر، ومعاداة الحقّ وأهله فأُجريت أحكامهم على الظاهر. ونفعهم القول في الدنيا. إذ أصبحوا معصومي الدماء والأموال ولم ينفعهم في الآخرة فكانوا في أسفل دركات النار.
قال الله تعالى: ]إِنَّ اْلمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ اْلأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً[  [النساء:145]
*  *  *  *  *
منقول

(٤) وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون

( ٤ ) الأمر الأول
*  *  *  *  *  *

قد أخبر الله تعالى في كتابه أنه لم يأمر عباده إلا أمراً واحداً، وبيّن أن هذا الأمر هو أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً.
قال الله تعالى: ]وَاعْبُدُوا اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً[.  [النساء:36]
وقال الله تعالى:]وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ[  [البينة:5].
وقال الله تعالى: ]وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً[  [التوبة:31]
فقد أكّدت هذه الآيات أن إخلاص العبادة لله هو الأمر الأول الوحيد الذي أمر الله عباده في كتابه قبل الأوامر الأخرى الفرعية. ومن لم يحقِّق ويلتزم بهذا الأمر الأول لا يكون مسلماً مؤمناً بالتزامه وعمله بالأوامر الفرعية الكثيرة.
لأنَّ كلّ ما بعد هذا الأمر الأول من الأوامر والنواهي الفرعية مثل: الأمر بالصلاة والزكاة والصيام والحجّ والجهاد وغير ذلك. وكذلك النواهي،كالنهي عن قتل النفس إلا بالحقّ وعن الخمر والميسر والزنا والربا وغير ذلك. فكلّ هذه الأوامر والنواهي الشرعية قائمة على ذلك الأمر الأول، ومنبثقة منه، ولا تكون مقبولةً عند الله إلا به. فإن الإنسان إذا أدّى الواجبات، واجتنب المحرّمات، وانقاد لجميع الأحكام الشرعية، فإن كل ذلك لا ينفعه شيئاً حتى يحقق أولاً ذلك الأمر الأول الوحيد. فيترك الشرك وعبادة غير الله.
قال الله تعالى:]لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ اَلخَاسِرِينَ[ [الزمر:43]
وقال عزّ وجلّ: ]وَلَوْ أَشْرَكُوا  لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ[ [الأنعام: 88]
والأمر بقول"لا إله إلا الله"ليس أمراً فرعياً مثل الأمر بالصلاة والزكاة وغيرها وإنما هو أمر بعبادة الله وحده لا شريك له وصيغة ثانية له ولذلك
قال الله تعالى: ]وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ[ [الأنبياء:25]
وقال أيضا: ]وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ[  [النحل:36].
والأحاديث الكثيرة المرويّة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم مثل الحديث:  {أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: "لا إله إلا الله"}  وحديث: {قولوا "لا إله إلا الله" تفلحوا} .
وما في هذا المعنى من الأحاديث يجب أن يُفهم منها أنها كانت دعوة إلى عبادة الله وحده بلا شريك، واجتناب الطواغيت، يؤديها النبي صلّى الله عليه وسلّم ويبلِّغها إلى الناس كما فعل مَن قَبله من الرسل. ولم تكن طلباً من الناس أن يأتوا بالنطق، والتلفظ بكلمة التوحيد بأفواههم، مع استبقائهم للشرك، وعبادة غير الله في واقعهم العملي.   ولا يجوز أن يحسب الإنسان من أهل "لا إله إلا الله" حتى يرضي بعبادة الله وحده بلا شريك، ويجتنب عبادة الطواغيت.
والأمر بالإسلام الوارد في القرآن كذلك كقوله تعالى:
]وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ اْلعَالَمِينَ[ [الأنعام:71]
وقوله: ]فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا[ [الحج:34]
وقوله: ]فَهَلْ أَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ[ [هود:14]
وقوله تعالى: ]فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ[  [البقرة: 132].
ليس هذا الأمر أمراً فرعياً كالأمر بالصلاة والزكاة.وإنما هو أمرٌ بعبادة الله وحده لا شريك له، وصيغة ثالثة لهذا الأمر الأول الوحيد. وليس طلباً من الناس أن يقولوا بأفواههم:"أسلمنا" أو"نحن مسلمون"، مع استبقائهم للشرك وعبادة غير الله في واقعهم العملي .
إذا عرفت أن هذه الأوامر الثلاثة التي هي:
(1) الأمر بعبادة الله وحده بلا شريك.
(2) الأمر بقول لا إله إلا الله.
(3) الأمر بالإسلام.
عبارة عن أمر واحد عُرض بصيغ مختلفة تؤدّى إلى غاية واحدة. إذا عرفت ذلك يسهل عليك أن تعرف أن من لم يحقِّق ذلك الأمر الأول الوحيد الذي هو عبادة الله وحده لا شريك له، والكفر بما يُعبد من دونه من الآلهة والطواغيت، لا يكون من أهل "لا إله إلا الله"، ولا يكون كذلك من أهل "الإسلام".لأن الأمر بإخلاص العبادة لله هو الأمر بقول "لا إله إلا الله" وهو الأمر بالإسلام. ويسهل عليك أيضاً أن تعرف ضلال من فرق بين هذه الأوامر الثلاثة، وظنّ أن إسلام المرء يتمّ بالنطق بكلمة التوحيد. فإن قال الإنسان: "لا إله إلا الله" فقد أسلم. أما إخلاص العبادة لله، والكفر بالآلهة والطواغيت، فليس في نظره شرطاً يجب أن يصاحب نطقه بكلمة التوحيد. فخالف بذلك ما صرح به القرآن. وجوَّز أن يكون الإنسان مسلماً وهو يعبد مع الله غيره، ويتّبع ما لم يأذن به الله من شرائع الطواغيت.وهذا جهلٌ فاحشٌ، وجمعٌ بين الضدين يدلُّ على سوء فهمهم وبُعدهم عن معرفة حقيقة الإسلام.
فينبغي التنبه على أن الإخلاص، وعدم الشرك شرطٌ لقول "لا إله إلا الله".وإنها لا تنفع قائلها إلا إذا قصد إخلاص العبادة لله والبراءة من الشرك. وأن المشرك مهما قالها لا يُحسب من أهلها، حتى يتوب من الشرك.

منقول

عربي باي