صفحتي

صفحتي
مدونة ياقوم اعبدوا الله ما لكم من اله غيره
الثلاثاء، 7 مارس 2017

وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا

منذ واجه رسل اللـه الكرام أقوامهم المشركين بالدعوة لم يواجهوا أقواماً ملحدين منسلخين عن الدين تماماً ، فقد كانوا أقواماً يتدينون لله تعالى بكثير من العبادات و القربات منها ما هو من آثار نبوة و منها ما هو شرك دخله التحريف و الإبتداع ، فقد كانوا في كل هذا يحبون اللـه تعالى و دينه حباً شديداً ، بل و يجعلون محاربتهم لأنبياء الله في سعيهم لإطفاء نور دعوتهم من أجلِّ القربات للـه ، فمما روى عن قوم إبراهيم الخليل عليه السلام أن المرأة منهم كانت إذا مرضت تنذر لئن عافاها الله و شفيت لتحملن حطباً و تضعه في النار التي يُجهزونها ليلقوا فيها خليل الله عليه السلام ، يفعلون هذا تقرباً لله و بغضاً لإبراهيم الخليل في اللـه كما يزعمون
فهم قد ردوا دعوته و دعوة غيره من الأنبياء و لم يقبلوها ، مع حبهم الشديد لله و لدينه ، دفعهم لتكذيب دعوة الأنبياء الجهل و الإعراض و بأنهم لا يفقهون كثيراً مما يقول الأنبياء و أن دعوتهم مخالفة لدين الألفة و العادة دين الأباء و الأجداد ، فهم يحبون الألفة و التألف على توحيد الصف و يرفضون كل ما يُعكّر صفوهم و لو كان توحيد ربهم !!
و خلف أؤلئك الأقوام أناس آخرون مشركون يحبون دين الله حباً شديداً و يحبون أنبيائه بما فيهم إبراهيم عليه السلام ، بل ينسبون أنفسهم له و يزعمون أنهم على ملته ، مع أنهم خالفوها في أصلها مع ما عندهم من آثار دعوته من مناسك توارثوها ، و أخلاق عالية بُعث النبي صلى اللـه عليه و سلم ليُتمها فقال : ( إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق) الأخلاق التي يحظى أقوامنا منها بسفالتها
فلمّا واجههم آخر رسول من عند الله محمد صلى الله عليه و سلم و دعاهم لملة إبراهيم عادوه كل العداء كما عادى أسلافهم دعوة إبراهيم و و صفوه بأوصاف و ألقاب للتنفير منه و من دعوته ، و هم طبعاً كانوا يفعلون هذا لله و في سبيل الله كما يزعمون ، و ما استفتاح أبوجهل يوم بدر و دعائه على رسول الله بأن يحنه الغداة لأنه أتى بما لا يُعرف و شتت شملهم و زرع الفتنة ــ كما يزعمون ــ في كل بيت و فرّق بين الرجل و ابنه و الزوج و زوجته و كفّر أبائهم و عاب آلهتهم إلا دليل على أنهم يفعلون هذا لله و في سبيل الله
و اليوم يوجد أناس جاءوا من بعد أؤلئك الأسلاف المشركين ، يحبون اللـه و دينه حباً شديداً و يحبون نبيه صلى اللـه عليه و سلم و يحافظون على الشرائع التي أتى بها من صلاة و صيام و زكاة و يلتزم الكثير منهم سنته في الهدي الظاهر ، و بالجملة يحبونه حباً شديداً و لا يرضون أن يستنقص الرسول الكريم صلى اللـه عليه و سلم أحد و لا أن يستهزئ به مستهزئ ، و هم مستعدون أن يفدوه بالمال و الولد و الروح ، هذا طبعاً مع إجتماعهم مع أسلافهم السابقين من المشركين في الجهل بأصل دعوة الرسل و محاربة كل من أراد إحياءها بكل ما أُتوا من قوة و مكر ، لأنه خالف دين الألفة و العادة و أتى بما لا يُعرف عندهم و عكّر صفوهم و شتت صفهم
صعب على المشركين الأولين و الآخرين التكاليف و الانتقال من دين الألفة و العادة إلى دين آخر ، فإنها نقلة بعيدة بالنسبة لهم
و لكنها هي الحقيقة و لا مجال لهم لقبول أعمالهم إلا بهذه النقلة و التبرئ من الشرك الذي ألفوه و عاشوه سنين دهرهم و تغلغل فيهم
و لا تنفع معهم دغدغة الشياطين الذين ينسبون أنفسهم للعلم و الفقه اليوم و لا ربتهم على شهواتهم و تطمينهم بأنهم على الإسلام مع أوضاعهم الجاهلية التي يحيونها
فالديمقراطية التي يتبنونها ، و الإنتخابات التي يصوتون فيها لأرباب مُشرعة ، و القوانين الوضعية الوضيعة التي يفضلونها على أحكام الشرع الطاهرة ، و طواغيت الحكم التي يدينون لها بالولاء ، و محاكم الطاغوت التي يتوافدون إليها في فض المنازعات ، و نعرات الوطنية و القومية الجاهلية التي هم مستعدون لبذل الأرواح و الدماء في سبيلها و من أجلها ـ ـ ـ
كل هذا الشرك و الكفر لا ينفع معه صلاة و لا حج
لأن الله عز و جل يقول عن من عمل أعمالاً يظنها صالحة مع تلبسه بالشرك :
﴿وَ قَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا﴾
﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾
﴿وَ لَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾
من هذه المجتمعات المشركة خرجت نخبة تتجه للدين و التدين ، تركوا بعض عادات و تصورات عامة الناس و صور بعض الشرك كشرك القبور كما شرح لهم مشايخهم ، و أهتموا بالسُنن من لباس و إزار و محافظة على الصلوات في المساجد ، و ما إلى ذلك
و مع هذا فمازالت نظرتهم لأقوامنا بأنهم طيبين و ملتزمين بالشرائع من صلاة و حج و ما إلى ذلك ، و في حسهم أن الكفار الأولين كانوا أشراراً ليس في قلبهم ذرة رحمة

وبعض الجماعات المسماة بالإسلامية عنده تصور عن بعض أنواع الشرك ، فشرك القبور يعرفونه و لا يفعلونه مع عدم الإستيقان بحقيقته و تصوره حق التصور يظهر هذا في عدم تبرؤهم من فاعله ، أما عن شرك الحاكمية فتصورهم قاصر جداً و مضطرب من طائفة لأخرى
فهم قد انقسموا طوائف و كانوا
﴿مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَ كَانُوا شِيَعًا ۖ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾
كل فرقة و لها أصولها و منهجها
و بالجملة اهتموا بهذه الأشياء ، و عقدوا الولاء و البراء عليها و على التمسك بالسنن من لحية و إزار مع ضياع الأصل عندهم ، و جرحوا من خالفهم فيها ، فجرحوا الناس و جرحوا أنفسهم ، و أدخلوا أنفسهم في إحراجات مع الناس لأن الناس ينفرون من السنن كاللحية و الإزار و يبغضونها ، فوصفهم الناس بأنهم متشددون ، مع أنهم يطلبون مودة الناس و رضاهم بإبتعادهم عن التكفير حتى لا يحصل تنفير
و هم مع دينهم هذا و شيعهم التي تفرقوا إليها متفقون مع أقوامهم المشركين في حرب الإسلام و المسلمين و وصفهم بأنهم تكفيريين خوارج
و في حربهم هذه يحسبون أنهم يفعلونها لله ، و يحسبون أنهم يحسنون صنعاً ، كما حارب أسلافهم إبراهيم الخليل و ألقوه في النار
و طائفة أخرى حملت السلاح و قالوا إن عزة الأمة في الجهاد و إن سبب تخلف هذه الأمة و ازدراءها من قبل الأخرين هي تركها الجهاد و اتباعها أذناب البقر و اشتغالها بالحرث و أمور الدنيا و استشهدوا بحديث  " إذا تبايعتم بالعينة و أخذتم أذناب البقر و تركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم" و قالوا أن لا عز لهذه الأمة و لا مجد إلا بالجهاد !!
فكان جل تركيزهم على القتال و القتال فقط ، و أهملوا أمر العقيدة أو أجلوه إلى ما بعد مرحلة القتال !؟
ثم نشأ في هذه الطائفة من يهتم بأمر العقيدة ، حتى لا يُقال عنهم جهاد بلا توحيد ، فأخذوا يتدرجون في الفهم و يرتقون شيئاً فشيئاً من يوم كان يفتي قائدهم مختلق الكرامات الكاذبة و يصف من يرتكب الشرك الأكبر بأنه مسلم !! و يجوّز المشاركة في الإنتخابات الشركية و ترشيح رب طاغوت إن كان يُسمّى بمرشح إسلامي !!
و حتى لا يكون عار على هذه الطائفة التي تبنت الجهاد ، و حتى لا يُقال عنهم جهاد بلا توحيد ، لأنه من المعلوم أن التوحيد يجب أن يسبق كل الأعمال بما فيها الجهاد و أنه لا جهاد بلا توحيد ، أخذ قادتهم يتكلمون في مسائل التوحيد و لكن على حذر من جرح مشاعر أقوامهم المشركين ، و على توكيد لتبرؤهم في الفتاوى التي يتكلمون فيها في مسائل التوحيد من عقيدة المسلمين و وصفها بالغلو و أصحابها بالخوارج
فهم أمام حقائق تجلت لهم و فرضت نفسها بنفسها ، لأنهم بحثوا وتدرجوا ــ و إن كان البحث في أصله مغلوط فإنهم لم يأتوا البيوت من أبوابها ـــ فتوصلوا لحقائق في التوحيد و لكنهم انبهروا بالواقع الجاهلي المغلوط الذي يعيشونه هم و أقوامهم و المصادم لحقائق التوحيد ، فأخذوا يتعلمون و يعلمون أتباعهم شروط التكفير و موانعه ، حتى لا يطبقوا الحقائق التي توصلوا إليها على أنفسهم و على المقربين منهم فيكتشفون أنهم و قومهم لم يكونوا على شيئ و هم من قبل كانوا يدّعون الإسلام !!
فانطلقوا من أصل و هو أن أقوامهم مسلمون لأنهم يصلون و يحجون ، و أن مظاهر الشرك المتفشية و المنتشرة في القوم إنما هي أحكام خاصة و مظاهر فردية !!
بدل من أن تكون النظرة منصفة لقومهم المتغلغل فيهم الشرك ، فيقال أنهم مشركون يصلون و يزكون ، ليكونوا منصفين في حقهم فلا ينسبوهم للتوحيد و الإسلام ، و لا يهضموا صلاتهم و عباداتهم التي يفعلونها و ينسبوهم للإلحاد
و أقنعوا أنفسهم و أتباعهم بأنهم على العقيدة الوسط بين الإفراط و التفريط
و لم يكونوا صادقين مع أنفسهم يوم كانوا من أفراد المجتمع الجاهلي بأنهم لم يكونوا على شيئ ، و لم نر من قادتهم الذين تدرجوا في فهم مسائل التوحيد تبرؤهم من أولئك الذين كانوا يفتون و يجوزون الشرك  ، بل كانت و مازالت منهم الإشادة بهم و اعتبارهم قادة شهداء قدّموا أرواحهم في سبيل الدين !!
و مازالت منهم المحاربة لأولياء الله الذين تبرؤا من أقوامهم المشركين و وصفهم بالخوارج و السعي لإطفاء نور الله بكل ما أتوا من قوة و مكر
فهذا كبيرهم المجرم يقتل كل من تبرأ من المشركين و كفرهم فيجعل حد الحرابة لكل من كفّر المشركين ، بحجة أنه استحل دماء و أموال مسلمين !!
فمن منطلق عقيدتهم هذه يحاربون المسلمين كما حارب أسلافهم أنبياء الله إبراهيم و محمد و غيرهما صلى الله عليهم و سلم و وصفوهم بأنهم غالوا و كفروا أقوامهم و عابوا آلهتهم و أتوا بما لا يُعرف و بمنكر عظيم !!
و مادموا يتدرجون في فهم التوحيد و لم يدخوا الإسلام بعد ، فستكون منهم المحاربة للمسلمين و تصليبهم و إلقاؤهم في النار كما ألقى أسلافهم خليل الله عليه السلام في النار
فهم قد
﴿اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ﴾
في محاربتهم هذه و تنكيلهم بهم و عداوتهم لهم ، يحاربونهم و هم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً
منقول بتصرف
عربي باي