حدثنا عبد اللَهُ حدثني أبي ثنا يَعْقُوبُ ثنا أبي عَنِ بن إِسْحَاقَ حدثني عَاصِمُ بن عُمَرَ بن قَتَادَةَ الأنصاري عن مَحْمُودِ بن لَبِيدٍ عن عبد اللَهِ بن عَبَّاسٍ قال حدثني سَلْمَانُ الفارسي حَدِيثَهُ من فيه قال كنت رَجُلاً فَارِسِيًّا من أَهْلِ أَصْبَهَانَ من أَهْلِ قَرْيَةٍ منها يُقَالُ لها جَىٌّ وكان أبي دِهْقَانَ قَرْيَتِهِ وَكُنْتُ أَحَبَّ خَلْقِ اللَّهِ إليه فلم يَزَلْ بِهِ حُبُّهُ إياي حتى حبسني في بَيْتِهِ أي مُلاَزِمَ النَّارِ كما تُحْبَسُ الْجَارِيَةُ وَأَجْهَدْتُ في الْمَجُوسِيَّةِ حتى كنت قَطَنَ النَّارِ الذي يُوقِدُهَا لاَ يَتْرُكُهَا تَخْبُو سَاعَةً قال وَكَانَتْ أبي ضَيْعَةٌ عَظِيمَةٌ قال فَشُغِلَ في بُنْيَانٍ له يَوْماً فقال لي يا بني إني قد شُغِلْتُ في بُنْيَانٍ هذا الْيَوْمَ عن ضيعتي فَاذْهَبْ فَاطَّلِعْهَا وأمرني فيها بِبَعْضِ ما يُرِيدُ فَخَرَجْتُ أُرِيدُ ضَيْعَتَهُ فَمَرَرْتُ بِكَنِيسَةٍ من كَنَائِسِ النَّصَارَى فَسَمِعْتُ أَصْوَاتَهُمْ فيها وَهُمْ يُصَلُّونَ وَكُنْتُ لاَ أَدْرِى ما أَمْرُ الناس لِحَبْسِ أبي إياي في بَيْتِهِ فلما مَرَرْتُ بِهِمْ وَسَمِعْتُ أَصْوَاتَهُمْ دَخَلْتُ عليهم انظر ما يَصْنَعُونَ قال فلما رَأَيْتُهُمْ أعجبني صَلاَتُهُمْ وَرَغِبْتُ في أَمْرِهِمْ وَقُلْتُ هذا والله خَيْرٌ مِنَ الدِّينِ الذي نَحْنُ عليه فَوَاللَّهِ ما تَرَكْتُهُمْ حتى غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَتَرَكْتُ ضَيْعَةَ أبي ولم آتِهَا فقلت لهم أَيْنَ أَصْلُ هذا الدِّينِ قالوا بِالشَّامِ قال ثُمَّ رَجَعْتُ إلى أبي وقد بَعَثَ في طلبي وَشَغَلْتُهُ عن عَمَلِهِ كُلِّهِ قال فلما جِئْتُهُ قال أي بني أَيْنَ كُنْتَ أَلَمْ أَكُنْ عَهِدْتُ إِلَيْكَ ما عَهِدْتُ قال قلت يا أَبَتِ مَرَرْتُ بِنَاسٍ يُصَلُّونَ في كَنِيسَةٍ لهم فأعجبني ما رأيت من دِينِهِمْ فَوَاللَّهِ ما زِلْتُ عِنْدَهُمْ حتى غَرَبَتِ الشَّمْسُ قال أي بني ليس في ذلك الدِّينِ خَيْرٌ دَيْنُكَ وَدِينُ آبَائِكَ خَيْرٌ منه قال قلت كَلاَّ والله انه خَيْرٌ من دِينِنَا قال فخافني فَجَعَلَ في رجلي قَيْداً ثُمَّ حبسني في بَيْتِهِ قال وَبَعَثْتُ إلى النَّصَارَى فقلت لهم إذا قَدِمَ عَلَيْكُمْ رَكْبٌ مِنَ الشَّامِ تُجَّارٌ مِنَ النَّصَارَى فأخبروني بِهِمْ قال فقَدِمَ عليهم رَكْبٌ مِنَ الشَّامِ تُجَّارٌ مِنَ النَّصَارَى قال فأخبروني بِهِمْ قال فقلت لهم إذا قَضَوْا حَوَائِجَهُمْ وَأَرَادُوا الرَّجْعَةَ إلى بِلاَدِهِمْ فآذنوني بِهِمْ قال فلما أَرَادُوا الرَّجْعَةَ إلى بِلاَدِهِمْ أخبروني بِهِمْ فَأَلْقَيْتُ الْحَدِيدَ من رجلي ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُمْ حتى قَدِمْتُ الشَّامَ فلما قَدِمْتُهَا قلت من أَفْضَلُ أَهْلِ هذا الدِّينِ قالوا الأُسْقُفُّ في الَكَنِيسَةِ قال فَجِئْتُهُ فقلت إني قد رَغِبْتُ في هذا الدِّينِ وَأَحْبَبْتُ أن أَكُونَ مَعَكَ أَخْدُمُكَ في كَنِيسَتِكَ وَأَتَعَلَّمُ مِنْكَ وَأُصَلِّى مَعَكَ قال فَادْخُلْ فَدَخَلْتُ معه قال فَكَانَ رَجُلَ سَوْءٍ يَأْمُرْهُمْ بِالصَّدَقَةِ وَيُرَغِّبُهُمْ فيها فإذا جَمَعُوا إليه منها أَشْيَاءَ اكْتَنَزَهُ لِنَفْسِهِ ولم يُعْطِهِ الْمَسَاكِينَ حتى جَمَعَ سَبْعَ قِلاَلٍ من ذَهَبٍ وَوَرِقٍ قال وَأَبْغَضْتُهُ بُغْضاً شَدِيدًا لِمَا رَأَيْتُهُ يَصْنَعُ ثُمَّ مَاتَ فَاجْتَمَعَتْ إليه النَّصَارَى لِيَدْفِنُوهُ فقلت لهم أن هذا كان رَجُلَ سَوْءٍ يَأْمُرُكُمْ بِالصَّدَقَةِ وَيُرَغِّبُكُمْ فيها فإذا جِئْتُمُوهُ بها اكْتَنَزَهَا لِنَفْسِهِ ولم يُعْطِ الْمَسَاكِينَ منها شَيْئاً قالوا وما عِلْمُكَ بِذَلِكَ قال قلت أنا أَدُلُّكُمْ على كَنْزِهِ قالوا فَدُلَّنَا عليه قال فاريتهم مَوْضِعَهُ قال فَاسْتَخْرَجُوا منه سَبْعَ قِلاَلٍ مَمْلُوءَةٍ ذَهَباً وَوَرِقاً قال فلما رَأَوْهَا قالوا والله لاَ نَدْفِنُهُ أَبَداً فَصَلَبُوهُ ثُمَّ رَجَمُوهُ بِالْحِجَارَةِ ثُمَّ جاؤوا بِرَجُلٍ آخَرَ فَجَعَلُوهُ بِمَكَانِهِ قال يقول سَلْمَانُ فما رأيت رَجُلاً لاَ يصلي الْخَمْسَ أَرَى أَنَّهُ أَفْضَلُ منه أَزْهَدُ في الدُّنْيَا وَلاَ أَرْغَبُ في الآخِرَةِ وَلاَ آداب لَيْلاً وَنَهَاراً منه قال فَأَحْبَبْتُهُ حُبًّا لم أُحِبَّهُ من قَبْلَهُ وَأَقَمْتُ معه زَمَاناً ثُمَّ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ فقلت له يا فُلاَنُ إني كنت مَعَكَ وَأَحْبَبْتُكَ حُبًّا لم أُحِبَّهُ من قَبْلَكَ وقد حَضَرَكَ ما تَرَى من أَمْرِ اللَّهِ فَإِلَى من تُوصِى بي وما تأمرني قال أي بني والله ما أَعْلَمُ أَحَداً الْيَوْمَ على ما كنت عليه لقد هَلَكَ الناس وَبَدَّلُوا وَتَرَكُوا أَكْثَرَ ما كَانُوا عليه إلا رَجُلاً بِالْمُوصِلِ وهو فُلاَنٌ فَهُوَ على ما كنت عليه فَالْحَقْ بِهِ قال فلما مَاتَ وَغَيَّبَ لَحِقْتُ بِصَاحِبِ الْمُوصِلِ فقلت له يا فُلاَنُ إن فُلاَناً أوصاني عِنْدَ مَوْتِهِ إن الحق بِكَ وأخبرني انك على أَمْرِهِ قال فقال لي أَقِمْ عندي فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ فَوَجَدْتُهُ خَيْرَ رَجُلٍ على أَمْرِ صَاحِبِهِ فلم يَلْبَثْ أن مَاتَ فلما حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قلت له يا فُلاَنُ إن فُلاَناً أَوْصَى بي إِلَيْكَ وأمرني بِاللُّحُوقِ بِكَ وقد حَضَرَكَ مِنَ اللَّهِ عز وجل ما تَرَى فَإِلَى من تُوصِى بي وما تأمرني قال أي بني والله ما أَعْلَمُ رَجُلاً على مِثْلِ ما كنا عليه إلا رَجُلاً بِنَصِيبِينَ وهو فُلاَنٌ فَالْحَقْ بِهِ قال فلما مَاتَ وَغَيَّبَ لَحِقْتُ بِصَاحِبِ نَصِيبِينَ فَجِئْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ بخبري وما أمرني بِهِ صاحبي قال فَأَقِمْ عندي فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ فَوَجَدْتُهُ على أَمْرِ صَاحِبَيْهِ فَأَقَمْتُ مع خَيْرِ رَجُلٍ فَوَاللَّهِ ما لَبِثَ أن نَزَلَ بِهِ الْمَوْتُ فلما حَضَرَ قلت له يا فُلاَنُ إن فُلاَناً كان أَوْصَى بي إلى فُلاَنٍ ثُمَّ أَوْصَى بي فُلاَنٌ إِلَيْكَ فَإِلَى من تُوصِى بي وما تأمرني قال أي بني والله ما نَعْلَمُ أَحَداً بَقِىَ على أَمْرِنَا آمُرُكَ أن تَأْتِيَهُ إلا رَجُلاً بِعَمُّورِيَّةَ فإنه بِمِثْلِ ما نَحْنُ عليه فان أَحْبَبْتَ فَأْتِهِ قال فإنه على أَمْرِنَا قال فلما مَاتَ وَغَيَّبَ لَحِقْتُ بِصَاحِبِ عَمُّورِيَّةَ وَأَخْبَرْتُهُ خبر فقال أَقِمْ عندي فَأَقَمْتُ مع رَجُلٍ على هَدْىِ أَصْحَابِهِ وَأَمْرِهِمْ قال وَاكْتَسَبْتُ حتى كان لي بَقَرَاتٌ وَغُنَيْمَةٌ قال ثُمَّ نَزَلَ بِهِ أَمْرُ اللَّهِ فلما حَضَرَ قلت له يا فُلاَنُ إني كنت مع فُلاَنٍ فَأَوْصَى بي فُلاَنٌ إلى فُلاَنٍ وَأَوْصَى بي فُلاَنٌ إلى فُلاَنٍ ثُمَّ أَوْصَى بي فُلاَنٌ إِلَيْكَ فَإِلَى من تُوصِى بي وما تأمرني قال أي بني والله ما أَعْلَمُهُ أَصْبَحَ على ما كنا عليه أَحَدٌ مِنَ الناس آمُرُكَ أن تَأْتِيَهُ وَلَكِنَّهُ قد أَظَلَّكَ زَمَانُ نبي هو مَبْعُوثٌ بِدِينِ إبراهيم يَخْرُجُ بِأَرْضِ الْعَرَبِ مُهَاجِراً إلى أَرْضٍ بين حَرَّتَيْنِ بَيْنَهُمَا نَخْلٌ بِهِ عَلاَمَاتٌ لاَ تَخْفَى يَأْكُلُ الْهَدِيَّةَ وَلاَ يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ بين كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ فإن اسْتَطَعْتَ أن تَلْحَقَ بِتِلْكَ الْبِلاَدِ فَافْعَلْ قال ثُمَّ مَاتَ وَغَيَّبَ فَمَكَثْتُ بِعَمُّورِيَّةَ ما شَاءَ الله أن أَمْكُثَ ثُمَّ مَرَّ بي نَفَرٌ من كَلْبٍ تُجَّاراً فقلت لهم تحملوني إلى أَرْضِ الْعَرَبِ وَأُعْطِيكُمْ بقراتي هذه وغنيمتي هذه قالوا نعم فأعطيتموها وحملوني حتى إذا قَدِمُوا بي وادي الْقُرَى ظلموني فباعوني من رَجُلٍ من يَهُودَ عَبْداً فَكُنْتُ عِنْدَهُ وَرَأَيْتُ النَّخْلَ وَرَجَوْتُ أَنْ تَكُونَ الْبَلَدَ الذي وَصَفَ لي صاحبي ولم يَحِقْ لي في نفسي فَبَيْنَمَا أنا عِنْدَهُ قَدِمَ عليه بن َعمٍّ له مِنَ الْمَدِينَةِ من بني قُرَيْظَةَ فابتاعني منه فاحتملني إلى الْمَدِينَةِ فَوَاللَّهِ ما هو إلا أن رَأَيْتُهَا فَعَرَفْتُهَا بِصِفَةِ صاحبي فَأَقَمْتُ بها وَبَعَثَ الله رَسُولَهُ فَأَقَامَ بِمَكَّةَ ما أَقَامَ لاَ أَسْمَعُ له بِذِكْرٍ مع ما أنا فيه من شُغْلِ الرِّقِّ ثُمَّ هَاجَرَ إلى الْمَدِينَةِ فَوَاللَّهِ انى لفي رَأْسِ عِذْقٍ لسيدي أَعْمَلُ فيه بَعْضَ الْعَمَلِ وسيدي جَالِسٌ إِذْ أَقْبَلَ بن عَمٍّ له حتى وَقَفَ عليه فقال فُلاَنٌ قَاتَلَ الله بني قَيْلَةَ والله إنهم الآنَ لَمُجْتَمِعُونَ بِقُبَاءَ على رَجُلٍ قَدِمَ عليهم من مَكَّةَ الْيَوْمَ يَزْعُمُونَ انه نبي قال فلما سَمِعْتُهَا أخذتني الْعُرَوَاءُ حتى ظَنَنْتُ سَأَسْقُطُ على سيدي قال وَنَزَلْتُ عَنِ النَّخْلَةِ فَجَعَلْتُ أَقُولُ لاِبْنِ عَمِّهِ ذلك مَاذَا تَقُولُ مَاذَا تَقُولُ قال فَغَضِبَ سيدي فلكمني لَكْمَةً شَدِيدَةً ثُمَّ قال مالك وَلِهَذَا أَقْبِلْ على عَمَلِكَ قال قلت لاَ شيء إنما أَرَدْتُ أَنْ اسْتَثْبِتَ عَمَّا قال وقد كان عندي شيء قد جَمَعْتُهُ فلما أَمْسَيْتُ أَخَذْتُهُ ثُمَّ ذَهَبْتُ بِهِ إلى رسول اللَهِ صلى الله عليه وسلم وهو بِقُبَاءَ فَدَخَلْتُ عليه فقلت له انه قد بلغني انك رَجُلٌ صَالِحٌ وَمَعَكَ أَصْحَابٌ لك غُرَبَاءُ ذو وحاجة وَهَذَا شيء كان عندي لِلصَّدَقَةِ فَرَأَيْتُكُمْ أَحَقَّ بِهِ من غَيْرِكُمْ قال فَقَرَّبْتُهُ إليه فقال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لأَصْحَابِهِ كُلُوا وامسك يَدَهُ فلم يَأْكُلْ قال فقلت في نفسي هذه وَاحِدَةٌ ثُمَّ انْصَرَفْتُ عنه فَجَمَعْتُ شَيْئاً وَتَحَوَّلَ رسول اللَهِ صلى الله عليه وسلم إلى الْمَدِينَةِ ثُمَّ جِئْتُ بِهِ فقلت إني رَأَيْتُكَ لاَ تَأْكُلُ الصَّدَقَةَ وَهَذِهِ هَدِيَّةٌ أَكْرَمْتُكَ بها قال فَأَكَلَ رسول اللَهِ صلى الله عليه وسلم منها وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ فَأَكَلُوا معه قال فقلت في نفسي هَاتَانِ اثْنَتَانِ ثُمَّ جِئْتُ رَسُولَ اللَهِ صلى الله عليه وسلم وهو بِبَقِيعِ الْغَرْقَدِ قال وقد تَبِعَ جِنَازَةً من أَصْحَابِهِ عليه شَمْلَتَانِ له وهو جَالِسٌ في أَصْحَابِهِ فَسَلَّمْتُ عليه ثُمَّ اسْتَدَرْتُ أَنْظُرُ إلى ظَهْرِهِ هل أَرَى الْخَاتَمَ الذي وَصَفَ لي صاحبي فلما رآني رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اسْتَدَرْتُهُ عَرَفَ أني استثبت في شيء ووصف لي قال فَأَلْقَى رداء عن ظَهْرِهِ فَنَظَرْتُ إلى الْخَاتَمِ فَعَرَفْتُهُ فَانْكَبَبْتُ عليه اقبله وَأَبْكِى فقال لي رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَحَوَّلْ فَتَحَوَّلْتُ فَقَصَصْتُ عليه حديثي كما حَدَّثْتُكَ يا بن عَبَّاسٍ قال فَأَعْجَبَ رَسُولَ اللَهِ صلى الله عليه وسلم أن يَسْمَعَ ذلك أَصْحَابُهُ......
وفيها من العبر شيء كثير، أعظمها حرص سلمان رضي الله عنه على معرفة الدين الحق وتعلمه والعمل به حتى صار من آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ان صح الاثر ) بعد أن كان يعبد النار، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
والشاهد من هذه القصة هو:
قول أسقف النصارى بالشام لسلمان عندما حضرته الوفاة: قال أي بني، والله ما أَعْلَمُ أَحَداً الْيَوْمَ على ما كنت عليه لقد هَلَكَ الناس وَبَدَّلُوا وَتَرَكُوا أَكْثَرَ ما كَانُوا عليه إلا رَجُلاً بِالْمُوصِلِ وهو فُلاَنٌ فَهُوَ على ما كنت عليه فَالْحَقْ بِهِ.
وكذلك قول صاحب الموصل: والله ما أَعْلَمُ رَجُلاً على مِثْلِ ما كنا عليه إلا رَجُلاً بِنَصِيبِينَ وهو فُلاَنٌ فَالْحَقْ بِهِ.
وقول الرجل الذي بنصيبين: والله ما نَعْلَمُ أَحَداً بَقِىَ على أَمْرِنَا آمُرُكَ أن تَأْتِيَهُ إلا رَجُلاً بِعَمُّورِيَّةَ فإنه بِمِثْلِ ما نَحْنُ عليه فإن أَحْبَبْتَ فَأْتِهِ.
وقول صاحب عمورية: والله ما أَعْلَمُهُ أَصْبَحَ على ما كنا عليه أَحَدٌ مِنَ الناس آمُرُكَ أن تَأْتِيَهُ وَلَكِنَّهُ قد أَظَلَّكَ زَمَانُ نبي هو مَبْعُوثٌ بِدِينِ إبراهيم يَخْرُجُ بِأَرْضِ الْعَرَبِ.
فتأمل ما قاله الأساقفة وانظر إلى غُربة من تمسك بالدين الحق عند خروج الناس عنه، وتأمل جيدا في معرفتهم لحقيقة ما عليه الناس في ذلك الوقت، مع أن القوم كانوا يدّعون النصرانية.
ولولا معرفة الأساقفة لبعضهم وما يدينون به لما استطاع أحدهم أن يعرف ما عليه أخاه؛ لأن الظاهر من حال الناس في ذلك الوقت الكفر والضلال.
---------------
منقول