حكمنا على الناس حسب معرفتنا لحقيقة الإسلام
الخطأ في معرفة حقيقة الإسلام يجُرُّ حتما إلى الخطأ في الحكم على الناس
معرفة حكم الناس هل هم على الإسلام أم على الكفر يُعرف من خلال المعرفة الصحيحة للإسلام، فمن عرف الإسلام عرف أهله ومن عرف الكفر عرف أهله، ومن عرف الحد الفارق بين الإسلام والكفر عرف الحد الفاصل بين المسلمين والكفار، ومن أخطأ في معرفة الإسلام وتحديد الفرق بينه وبين الكفر جره ذلك حتما إلى الخطأ في الحكم على الناس
حكمنا على الناس قبل معرفتنا لحقيقة الإسلام
نحن قبل أن نعرف الإسلام كنا نظن أنفسنا على حق ونحسب أننا نحسن صنعا وأننا مهتدون ونحكم على كل من انتسب للإسلام ونطق الشهادتين بالإسلام لاعتقادنا أن هذا هو الإسلام
كنا نعتقد أن هذه الأمة المنتسبة للإسلام مسلمون، وديارهم ديار إسلام ونحكم بالإسلام لمن فيها إلا من عرفنا كفره، وكنا نعتقد أن ما سواها من الديار التي لا تنتسب للإسلام ديار كفر وأهلها كفار
وهذا الخطأ في الاعتقاد كان ناتجا عن الخطأ في فهم الإسلام
حكمنا على الناس بعد معرفتنا لحقيقة الإسلام
وعندما دعينا للإسلام وشرح الله صدورنا للدخول فيه تغير مفهوم الإسلام عندنا واعتقدنا أنا كنا كافرين يوم كنا نجهل الإسلام ونحسب أنفسنا مهتدين، وكنتيجة حتمية لا محيص عنها تغير حكمناعلى الناس، فالذين كنا نعتقد أنهم مسلمون على أساس أن ما كنا ندين به هو الإسلام، تغير اعتقادنا فيهم وصرنا نعتقد أنهم ليسوا على الإسلام بناء على ما ندين به الآن
وما حدث معنا يحدث مع كل من عرف الإسلام وسط هذه الجموع الكافرة التي تنتسب للإسلام أو لدين آخر، فبمجرد أن يعتقد الإسلام ويقرر الدخول فيه يعتقد أنه لم يكن على الإسلام وأن قومه أيضا ليسوا على الإسلام
ولو أنا دعونا نصرانيا للإسلام وأيقن أن ما ندعوه إليه هو الحق لاعتقد بكل يسر وسهولة أنه كان على باطل وأن الذين كان يعتبرهم على حق أيضا على باطل ، وأن أهل الحق هم أهل هذا الدين الذي دخل فيه بعد أن أيقن أنه الحق وما سواه باطل، ولا يحتاج أن نبين له حكم قومه من حيث انتفاء الإسلام عنهم كما لا يحتاج أن نبين له حكم نفسه قبل أن يدخل هذا الدين يوم كان يدين بالنصرانية
ومن احتاج لاستدلال وبرهنة على كفره قبل أن يعرف الإسلام وكفر أهل ملته فهذا لم يفهم الإسلام بعد ولن نجد دليلا وبرهانا نثبت له به كفره وكفر أهل ملته كتعريفه بالإسلام الحق
ومن المتفق عليه بيننا أنه لايحكم بالإسلام إلا لمن أظهر الإيمان بأصله هذا في حق الفرد وفي حق الجماعة وفي حق الأمة أيضا
فالمسلم من أظهر لنا تحقيقه لأصل الدين، والجماعة المسلمة هي من أظهرت الإسلام والأمة المسلمة هي التي تظهر الإسلام أيضا
الرسول صلى الله عليه وسلم بُعِث ليدعو للإسلام بين قوم كفار فكان الرجل يأتي للرسول صلى الله عليه وسلم ويسمع منه فإذا استجاب شهد شهادة الحق فيصير بذلك مسلما، ويرجع الرجل إلى قبيلته فيدعوها للإسلام فإذا استجابت شهد أهلها شهادة الحق فمن سمع بخبرها عرف أنها دخلت الإسلام
وكان أهل الكتاب عند مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أمة كافرة ولو استجابوا لدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأظهروا الإسلام لصاروا أمة مسلمة
والمقصود أننا اليوم مسلمون بين كفار عرفنا كفرهم من معرفتنا للإسلام فما ندين به نحن كمسلمين لا يدين به قومنا من هذه الأمة المسماة بالمسلمة ولهذا اعتقدنا أن قومنا كفار، بل اعتقدنا أن الناس اليوم كفار إلا من ثبت لنا إسلامه، ولا طريق لنا للحكم بإسلام أحد إلا بمعرفة حاله، وكل من لم نحكم له بالإسلام يبقى في دائرة الحكم العام الغالب والظاهر على الناس سواء عرفنا كفره أو لم نعرفه حتى يثبت في حقه ما يدل على مخالفته لهم وهذا هو الأصل، ولم يكلفنا الله بغير اعتبار ما ظهر وفشى وغلب على الناس.
والظاهر هو ما ظهر على الناس من أقوال و أفعال وأحوال تشهد عليهم بما يدينون به، والظاهر في حق الفرد هو ما أظهره من نص أو دلالة، ومن لم يظهر لنا إسلامه لا نعتقد إسلامه حتى نعلم به، ومن لا نعرف كفره لا نخرجه عن الحكم العام ، و نحن نعيش بين الكفار، ولا يصح اليوم أن نثبت لشخص ما الإسلام حتى نعلم عنه الخروج عن دين قومه إلى دين الإسلام بنص أو دلالة، فمن لا يُعرف بينهم يبقى على الأصل العام حتى يثبت عندنا إسلامه، ومادمنا نحكم لمن لم نعرف إسلامه بأنه غير مسلم حكما ثابتا من أصل الدين مع أننا لا نقطع بعدم إسلامه فقد يكون مسلما ولا يخرجه عدم القطع به عن أصل الدين، كذلك فإننا نحكم لمن لم نعرف كفره بالحكم العام الظاهر والغالب على من تواجد بينهم حتى يثبت في حقه دليل خاص يجعلنا نستثنيه منهم ولا نقطع بكفره ولانجعل من احتمال كونه مسلما دليلا على استثنائه من حكم قومه أو من تواجد بينهم، ولا نجعل من عدم قطعنا بحاله دليلا على أن تكفيره خارج عن أصل الدين حيث لا وجود لشرط القطع في دين الله فلا نبتدعه من عند أنفسنا
منقول