صفحتي

صفحتي
مدونة ياقوم اعبدوا الله ما لكم من اله غيره
الأحد، 13 أغسطس 2017

بيان

من أصل هذا الدين تكفير الكفار، وما من نبي إلا ويحكم على قومه جميعًا بالكفر ولا يستثني منهم أحدًا إلا من أسلم، وقومنا لا يختلفون عن أقوام الرسل، ونحن اليوم نعيش واقعًا مثل الذي عاشه الأنبياء من قبل، نعيش بين قوم كفار كفرًا أصليًا ليس كفر ردة عن الإسلام، فهم يجهلون الإسلام، وقد غاب الإسلام عن هذه الأقوام من مئات السنين فليس الكفر بجديد عليهم، بل إن آباءهم وأجدادهم على الكفر أيضًا، فالكفر جامع لهم ولذراريهم ونسائهم، وليس على وجه الأرض اليوم قوم يجمعهم الإسلام، وليس لهم دار تميِّزهم عن غيرهم، فالكفر هو الظاهر العام، ولهذا لا بد أن نعتقد في هذه الأقوام اليوم ما اعتقده رسل الله في مثلهم لكي نحقق أصل الدين، فنؤمن بكفر هذه الأمة التي تتسمّى بالمسلمة وكفر أفرادها إطلاقًا وتعيينًا كما نؤمن بكفر الأمم الأخرى من اليهود والنصارى والهندوس والبوذيين وسائر الكفار، ونؤمن أن تكفير القوم وتكفير أعيانهم مَن أظهر منهم الكفر ومَن لم يُظهره كل ذلك من أصل الدين، ومن أخرج شيئًا من هذا التكفير عن أصل الدين من غير برهان ولا دليل لم يحقق أصل الدين، ولا دليل على استثناء أحدٍ من غير المسلمين لا مجهولي الحال الذين لم تظهر حقيقة كفرهم ولا غير البالغين، ومن لم يخرجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويستثنيه من حكم قومه فهو منهم حكمه حكمهم وتكفيره كتكفيرهم حتى يثبت في حقه خلاف ذلك.

ولا يصح أن نحكم بالإسلام لأحدٍ من الناس اليوم في أي مكان إلا لمن ثبت إسلامه، ولهذا فالأصل في أقوامنا اليوم الكفر، والحكم بالإسلام استثناء من الأصل، فمن لم نعرف إسلامه يبقى له حكم الكفر كعامة الناس، وكون الأولاد يولدون على الفطرة لا معوَّل عليه في الحكم عليهم، فالأولاد تبع لآبائهم، والفطرة لا تبقى على ما هي عليه، بل تتغير حسب المنشأ والواقع الذي يتربَّى فيه الطفل، فمن ذا الذي بقي على فطرته وسط هذا الخضم من الجاهلية؟!
والحكم على الناس اليوم بالكفر ليس مبنيًّا على استقراء أفرادهم ومعرفة ما يدين به كل فرد منهم على حِدة، بل على ما يظهره مجموعهم، فهم لا يدينون بالإسلام، والكفر هو الظاهر والغالب عليهم، فعقائد الكفر وأحكامه وسلطانه وشعائره تلوح في كل مكان، فعدم إسلامهم عمومًا ثابت بيقين، سواءٌ هذه الأمة التي تزعم الإسلام أو غيرها من الأمم.
والحكم بالعموم يشمل الأفراد جميعًا إلا من ثبت إسلامه، ليس من ثبت كفرهم بنص أو دلالة فقط، بل جميع الأفراد، كبيرهم وصغيرهم، رجالهم ونسائهم، باستثناء من عرفناه مسلمًا، فمن علِمنا بإسلامه فقد ثبت في حقه بالدليل الخاص ما يخالف العموم، فيُستثنَى من دائرة العموم ويأخذ حكمًا خاصًا مخالفًا لقومه وهو الحكم بالإسلام، ومن لم نعلم بإسلامه يبقى تحت دائرة العموم حتى يثبت في حقه ما يخالف العموم، سواءٌ علمنا كفره بالدليل الخاص أو لم نعلم، ولا يُشترط معرفة كفر الفرد شخصيًا ليشمله الحكم العام ويكون حكمه موافقًا لحكم قومه.

كذلك في الحكم بالإسلام لو علمنا - مثلًا - أن قومًا ما يدينون بالإسلام عمومًا فالواجب علينا أن نعتقد بإسلامهم عمومًا وأفرادًا كبيرهم وصغيرهم، ويكون عِلْمُنا بإسلامهم عمومًا كافيًا في الحكم على الفرد منهم بالإسلام سواءٌ عرفنا إسلامه شخصيًا أو لم نعرف، ولا حاجة لنا بالتنقيب عن حال كل فرد لنعرف أهو موافق لقومه أم مخالف، وثبوت الكفر في حق الفرد منهم هو الذي يجعلنا نحكم له بما يخالف قومه، ونخرجه من دائرة العموم، لأنه ثبت في حقه بالدليل الخاص ما يخالف الدليل العام فيأخذ حكمًا خاصًّا مخالفًا للحكم العام.
والدليل العام الذي يشمل بحكمه جميع الأفراد عدا من خرج عن هذا الشمول بالدليل الخاص هو الذي يسمّى الحكم بالتبعية، ولا تعارض ولا تناقض بين العمل بالدليل الخاص (الحكم على من نعلم حاله شخصيًا بما نعلمه عليه)، والعمل بالدليل العام (أي تنزيل الحكم العام على باقي الأفراد).
والحكم على الفرد بالدليل العام قد لا يوافق الباطن والحقيقة، لكن هذا لم نكَلَّف به، فهذا الفرد من مجموع محكوم بكفره معلوم حاله بالعموم، ولم يُعلم عنه مخالفته للمجموع (أي لم يثبت لنا أنه ليس منهم)، واحتمال كون هذا الشخص مسلمًا احتمال ممكن ولكن غير ظاهر لنا، فلا معول عليه، وهو والعدم سواء.
والله - عز وجل - لم يكلِّفنا بالتأكد من موافقة الحكم للحقيقة، ولو كان هذا واجبًا لوجب التوقف إلى أن نعرف حقيقة كل فرد على حِدة، وهذا ما لا سبيل إليه أبدًا، فلم يكلفنا الله بمعرفة حقيقة كل فرد من المسلمين أو الكفار، حتى ولو كان عندنا احتمال أن يكون باطنه مخالفًا لظاهره لا يجوز لنا أن نجعل من هذا الاحتمال معارضًا لإنزال الحكم على الظاهر.

وقد يكون بين الكفار من هو في الظاهر معدود منهم (أي لا يعلم المسلمون بإسلامه) وهو في الحقيقة من أهل الإيمان، فيأخذ حكم الكفار في الدنيا لأن الأحكام فيها تجري على الظاهر، ولم يظهر عليه ما يدل على مخالفته لمن يعيش بينهم، وقد علم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن معه من المسلمين أن هناك مؤمنين بين الكفار قد لا يستطيعون الهجرة إلى المسلمين، وهناك من يستطيع الهجرة ولم يهاجر، ولا يستطيع المسلمون التمييز بين هؤلاء وبين بقية أفراد القوم الكفار، فلا مانع شرعًا ولا عقلًا من إجراء حكم الكفر عليهم كبقية أفراد القوم حتى يتبين خلاف ذلك، ولا يضر في شيءٍ إذا تبين أن من اعتقدنا في كفره تبعًا لقومه مسلم، وقد حدث هذا مع الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وحدث مع صحابته، ولم ينهَهُم الله عن تكفير من لم يعرفوا كفره خشية أن يكفّروا مسلمًا، وقد قال الله - عز وجل -: {هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَ‍ئُوهُمْ فَتُصِيبَكُم مِّنْهُم مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِّيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (25)} [الفتح: 25]، فكان المنع من قتال أهل مكة لئلا يصيبوا المؤمنين الذين لا يعرفونهم، ولم يُنهوا عن التكفير خشية أن يكفِّروا المؤمنين الذين لا يعرفونهم.
ولا يعني تكفيرنا لمن لم يظهر الكفر بين الكفار أننا نكفِّر المسلم بمقامه بين الكفار وهو متبرئٌ منهم ومن كفرهم، ونجعله ناقضًا لإسلامه، كيف ونحن نعيش بينهم كما كان أكثر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.

وقد اتخذ هذا الأمر أصلًا يرجع إليه، فقيل : (الأصل أن من كان في دار فهو من أهلها يثبت له حكمهم ما لم يقم على خلافه دليل).
فعندما نعتقد في الناس عمومًا حسب ما ظهر لنا منهم، ونُجري الأحكام على الأفراد على الظاهر، نكون قد وافقنا شرع الله القويم وعملنا بما كلفنا الله به، ولهذا اكتفى المسلمون قبلنا بإجراء الأحكام على الظاهر، ولم يشغلهم يومًا البحث عن القطع واليقين في حكمهم على أفراد القوم الكفار، ولم يفرِّقوا بينهم على هذا الأساس...منقول

عربي باي