صفحتي

صفحتي
مدونة ياقوم اعبدوا الله ما لكم من اله غيره
الجمعة، 16 ديسمبر 2016

(٢٨) مسألة العذر بالجهل في التوحيد

صـفة قيام الحجة
★★★★★★★★

ونعمد بعد ذلك بعون الله وتوفيقه إلى معنى آخر من معاني قضية العذر بالجهل، وهو في ذاته فاصل في النزاع كما سيتبن إن شاء الله لنوضح ضابطه الشرعي، وحده والشرط فيه كما ورد في كتاب الله وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم  وسيرته وهديه، ألا وهو صفة قيام الحجة.

صفة الحجة شيء وصفة قيامها شيء آخر
فالحجة القرآن كما ذكرنا آنفا أما قيامها فهل بمجرد البلاغ والسماع أم بإحداث الفهم والعلم الضروري بها. ومتى تعتبر الحجة قائمة، هل الشرط هو بلوغها والسماع بها أم الشرط هو فهمها والعلم بها، ويتبع ذلك من بيان هل الشرط تيسرها وامكان العلم بها أم تحقيق وقوعها فعلا، وما يتبع ذلك من بيان هل يكفي وجود الحق وأدلته أم لابد من دفع الشبه بحيث يقع العلم الضروري لدى المحتج عليه، ويرتبط بذلك الحديث عن صفة من يقوم بالحجة بافتراض أنها ليست القرآن على مذهب المخالف وضابطه الشرعي لو كان.

//////////////////

ونبدأ فنسال مخالفينا: ما هي صفة قيام الحجة عندكم ؟. وعلى وجه الدقة والتحديد، فإن قيام الحجة لا يخلوا من أحد أمرين، لا ثالث لهما إما أن تكون بمجرد بلوغها والسماع بها، وإما بضرورة إفهامها وإحداث العلم الضروري بها بما يقطع وجود الشبه؛

فإن قلتم إنها تكون بمجرد البلوغ والسماع بها، وهو الحق كما سيتبين، كذا جزمتم بسقوط قضية العذر برمتها في واقع اليوم وعلى التحديد بلاد العرب كمصر والشام والحجاز واليمن وغيرها وذلك أن هؤلاء القوم يتلى عليهم كتاب الله ليل نهار...ويحملون المدون منه في دورهم وملابسهم وسياراتهم بل وأمامهم كتب التفسير واللغة والفقه والأصول والحديث والسير، وشتى جواب العلم التي توفرت بفضل من الله ورحمة، بشكل لم يسبق له مثيل في أمة من الأمم

ومع ذلك فهم لا يفقهون في كتاب الله حديثا، ولا يعلمون الكتاب إلا أماني وإنهم إلا يظنون كسلفهم السيئ من كفار أهل الكتاب وما يدرون ما الإيمان لفسقهم وبغيهم وإهمالهم كتاب الله والنور الذي أنزل، واشتغالهم بفلسفات الجاهلية وعلومها، حتى الموسيقى ومدارسها ومذاهبها واتجاهات روادها وأهم أعمالهم أو شريعة الكفر الوضعية وأسسها ومداخلها ومخارجها أو بقوانين الكرة والألعاب الرياضية وما يجوز فيها وما لا يجوز، ونقاط الاختلاف فيها، أو التبحر في علوم السياسة وألاعيبها ونفاقها والبحث عن سبيل الترقي في مدارجها ومسالكها أو دراسة الشعر عربيه وأعجميه ومدارسه المختلفة التقليدي والحديث منه، والنزاع بين أنصار هذا وذاك أو التبحر في التاريخ الفرعوني، أو البابلي وتمجيد عباد الأصنام والشمس والقمر وتقصي أخبارهم وحوادثهم والاحتفال بهم أو الانشغال بالدنيا عموما وملذتها وشهواتها واستخفاف ملوك تنميط العقل البشري من اليهود وعبادهم ثم هم بعد ذلك معرضون عن دراسة كتاب ربهم هاجرون له، وهو الهدى والنور، مكتفين بشتى مفاسد الجاهلية التي يسمونها علوما وثقافات، بل إن الشاذ منهم عندما يدرس في هذا الكتاب فهو ابتغاء مهنة أو وظيفة حكومية وإما على سبيل البحث الثقافي في التراث البشري والإنساني – زعموا- ابتغاء مركز اجتماعي استكبارا في الأرض ومكر السيئ.
والخلاصة هنا أنكم لو سلمتم معنا بأن الشرط هو مجرد البلوغ وسماع الحجة، فقد جزمتم بفساد مفهومكم لقضية العذر كما هو واضح، أما إن قلتم إن الشرط هو ضرورة فهم الحجة وحدوث العلم بها وقطع الشبه- وهذا قولكم - أتيتم بعظيمة في الدين، ولزمكم عذر اليهود والنصارى اليوم يقينا، لأن كل عاقل يعلم أن الحجة لم تقم عليهم بهذا التحديد الذي حددتموه. فجماهير مقلدون تابعون يجهلون دلائل القرآن المجيد لإعراضهم عنه فضلا عما يبثه فيهم أئمة الضلال من الأحبار والرهبان من شبه حول القرآن ودلائله، فهلا عذرتم اليهود والنصارى بجهلهم على مذهبكم ؟؟!.           أم ماذا كنتم تعملون ؟؟!.

ومن العجب أننا لما عارضنا بعضهم بأمر اليهود والنصارى قالوا: أننا أكفرنا اليهود والنصارى لأن النصوص القطعية في الكتاب والسنة دلت على كفر من دان بدينهم،
قلت: وكذلك النصوص القطعية في الكتاب والسنة دلت على كفر من توجه بالنسك لغير الله ذات الله تعالى، أو استنصر غير الله أو استرزقه من الأموات، وكذا من شرع شرعه من دون شرع الله يتصرف بها في جزء من كون الله وقضى بها بين العباد في دمائهم وأعراضهم، فلماذا عذرتم هؤلاء ولم تعذروا هؤلاء ؟؟. وكذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ومن مات يشرك بالله شيئا دخل النار  [ رواه البخاري و مسلم ].

فبأي سلطان فرقتم بين من أشرك من المنتسبين لدين محمد صلى الله عليه وسلم وكلاهما نقض التوحيد ؟؟. أم أن الله تعالى جعل القرآن حجة بمجرده على اليهود والنصارى وليس حجة على كفار العرب ومشركيهم، إلا بالشروحات الطوال أم هو الهوى والتحكم بالباطل ؟.

أريد أن أقول: إن الاعتراض عليهم هنا بشرك اليهود والنصارى هو في ذاته حجة ملزمة، ولا انفكاك منها، إلا أن يحكموا محض الهوى والتلذذ وإني أعلم جيدا أنه لولا بقية من الحياء عند بعضهم لحكموا بعذر اليهود والنصارى وإنهم ليسوا كفارا مشركين إلا من بعد إقامة الحجة الرسالية الغيبية على كل رجل وامرأة بالكتاب والسنة وتفسير الأئمة المشهورين، وبيان فساد ما عندهم من شبه، وإبطال ما يموه به أحبارهم ورهبانهم على الحق وأهله ؟. أليس كذلك ؟. نبئوني بعلم أن كنتم صادقين.
هذا وقد تواترت النصوص الشرعية القرآنية على بيان أن من الكفار من لا يفقه كتاب الله، ولا بيان رسوله  صلى الله عليه وسلم ويموت يوم يموت وهو شاك في قضايا الإيمان بهذا الطرح الذي طرحه رسول الله صلى الله عليه وسلم  بأن يظن أنه الأهدى سبيلا، قال تعالى: ( قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ) [الكهف: 103 / 104].
وهذا برهان جلي، وبيان إلهي، يدفع من اشترط الفهم والعلم بالحجة في انقطاع العذر بنص قوله تعالى: (وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا )الآية.
فلو صح اشتراط الفهم لصح عذر هؤلاء بل لو صح شرط الفهم في إقامة الحجة لصح عذر من قال الله تعالى فيهم: ( اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ اللّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ ) [الأعراف: 30 ].
وكذلك من حكى الله تعالى عن عدم فهمهم للحق أو معرفتهم به في سورة الفرقان: ( وَإِذَا رَأَوْكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَن صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا )[الفرقان: 41 /42 ].

سبحان الله...هل هناك سوء فهم للحق، وتلبس فيه بمثل ذلك حتى يقول: (وَإِذَا رَأَوْكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا  إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَن صَبَرْنَا عَلَيْهَا )الآية.
فلعمر الحق لو صح اشتراط الفهم ورفع الشبهة في مقام الحجة للمشركين لصح بيقين عذر هؤلاء الضالين ولكنا وجدنا الحق سبحانه وتعالى يقول معقبا على كلامهم: ( وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا ) الآية.
بل إن الله تعالى يقرر بوضوح وجلاء يقطع ألسنة المخالف لنا في هذه القضية، يقرر سبب كفر أكثر المشركين بقوله تعالى: ( َبلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُم مُّعْرِضُونَ ) [الأنبياء : 24 ].
فهل بعد بيان الله من بيان؟. وهل خرست ألسن الأفاكين؟. وهل كشف عوار المبتدعين؟. اللهم فأشهـد.

أقول: فقد صح مما قدمناه بوجه القطع واليقين، بطلان اشتراط الفهم والعلم القطعي بالحجة بما يقطع به الشبهة في إقامة الحجة بأن لك فساد من زعم أن الشبهة التي تتعلق بأذهان الكافرين توجب العذر، أو وجود أئمة الضلال وإضلالهم يوجب العذر وغير ذلك مما لا أعلم له سابقة في تاريخ الإسلام والفقه، ولعمر الحق هذا الذي بيناه، من فساد هذا الشرط لهو أوضح في الشريعة من أن نستقي الأدلة عليه، ولكن نصع، وقد لقينا من ينازعنا في مسلمات الشريعة وقواعد الفهم الأولية، ولا حول ولا قوة إلا بالله. وبعد أن عرضنا لك فساد مذهب القوم في ذلك، نقرر لك بعون الله، وجه الحق جليا عليه بدلائل الكتاب والسنة وسير النبي وهديه.

أقول: وصفة قيام الحجة إنما هي بلوغها للمرء بحيث يمكنه الوقوف عليها ومعرفتها، وسواء وقف عليها وحرس عليها ونظر فيها أو صم أذنيه عنها وأعرض وانشغل بغيرها وسواء فهمها، أو لم يفهمها، والحجة تعتبر قائمة عليه في كل ذلك، بمحض البلوغ والتمكن من السماع.

البرهان الأول:
قال تعالى: ( وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ ) [الأنعام: 19 ].
ووجه الدلالة في قوله تعالى:    (وَمَن بَلَغَ ).
فصح أن الإنذار يكون بمجرد بلوغ الحجة، والعرب تقول: بلغ فلان الماء إذا وصل إليه فصح أن شرط الله إنما هو البلوغ لا الفهم، ونحن لا نشترط إلا ما شرطه الله تعالى.

البرهان الثاني:
قال تعالى: (وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ ) [التوبة: 06 ].
فهذا هو الشرط الواضح البين الذي لا يتعداه إلا مكابر: ( حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ).
ولو قال الحق سبحانه وتعالى: (حتى يفهم كلام الله ).
لجاز لهم أن ينازعوا، والعرب كما قدمنا تعرف أن بين الفعل " يسمع " والفعل " يفهم "  بُعد ما بين المشرق والمغرب، قال تعالى: (وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا ) [الأنعام: 25 ].
فالسماع شيء والفهم شيء آخر، وشرط الله كما قدمنا:( حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ).
بالله الـتوفيق.

البرهان الثالث:
قال تعالى: ( لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَةً فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ )[البينة: 01 إلى 03].
وهذا برهان واضح حاسم، لا مدفع له، ولا صارف لدلالته، بين أن البينة ليست بإفهام الحجة وإنما بتلاوتها، (يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَةً ).
وسبق وأوضحنا أن هذه الآية من أعظم دلائل القرآن على مدلولها.

البرهان الرابع:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والذي نفسي بيده لا يسمع بي يهودي ولا نصراني من هذه الأمة، وبالذي جئت به ثم لم يتبعني إلا حرمت عليه الجنة .
فصح أن مدار قيام الحجة، وانقطاع عذر المشركين إنما هو السماع لا الفهم والعلم الجازم وانقطاع الشبه كما يزعم المبطلون. وكذلك الثابت المتقرر في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وهديه مع المشركين أنه ما كان يصنع ما تزعمه بعض الطوائف اليوم إقامة الحجة العينة على كل رجل من المشركين وعلى كل امرأة منهم ودفع ما عنده بذاته من الشبه حتى يحكم عليه بالكفر بعد ذلك وقبلها يعذر، وإنما الصحيح الثابت أنه صلى الله عليه وسلم  كان يبلغ كلام الله، ويسمعه الناس، ويحتج به عليهم كما فعل مع بن ربيعة عندما جاء يساومه فتلا عليه القرآن، وبه كان يجاهد الجهاد الكبير كما قال تعالى: (فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا  )[الفرقان: 52 ].
أي بالقرآن وبه يفرق بين الحق والباطل، فمن أقبل عليه اقبل، ومن أعرض عنه أعرض: ( فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا )[النساء: 80 ].
ومن فهم الحق منهم فبتوفيق من الله ورحمة ومن ختم الله على قلبه ولم يفهم فبفسقه وما يعلمه الله في نفسه.
بيد أن كل عاقل، يعلم أن شرط الفهم في الحجة من المحال إيجاده، واستيفاؤه في الأحكام الدنيوية لو صح اشتراطه بداية وذلك أنه أمر خارج عن طائل الضبط البشري، ولا يمكن الوقوف عليه في ظاهر الحال، أو نوجد له حلا، إلا أن نتحكم بالهوى والتلذذ،
فصح بطلان اشتراطه عقلا بعد أن أثبتنا بطلانه شرعا بالنقل.

* * *

مـن يقيم الحجة
★★★★★★★

ثم سألناهم: من هو الذي يقيم الحجة؟. وما صفته وتحديده الشرعي؟. وهم قالوا من قبل:" أن من يقيم الحجة هو من يحسنها ".
قلت: وهذا إشكال أحيل به على إبهام فنحن نسأل أساسها: من هو ذلك الذي يحسن الحجة ؟. وكم آية يعلمها؟. وكم حديث؟. وكم قول لصحابي وتابع؟. وكم قول لفقيه وعالم؟. كذا بافتراض صحة مفهومكم للحجة ثم ما دليلكم عن هذه الشروط والضوابط كلها ؟؟؟.
ثم نسألكم: من في واقع الأرض الآن يصلح لإقامة الحجة؟. فإن قالوا: فلان، نسألهم: وما الدليل والسلطان من الله على أن فلانا بعينه هو صاحب الحجة الملزمة التي يكفر من خالفها بعد علمه بها ؟.

أريد أن أقول: إنهم هنا أمام أحد الخيارين لا ثالث لهما، إما أن يحكموا هواهم ويحدوا له حدودا ويشرطوا شروطا بغير هدى ولا كتاب منير، وإما أن يقروا منا أنه لا يوجد ضابط واحد لأحد بهذه الصفة بحيث يكون هو الحجة التي يعذر بها الناس قبلها ولا يعذرون بعدها، ولزمه التسليم معنا إذاك أن الحجة على المشركين، وعلى الناس جميعا في أمر التوحيد إنما هي قائمة بمحض كتاب الله، والعذر منقطع لمن بلغه كلام الله، سمع وفهم أو سمع ولم يفهم، أقبل على الحق واستمع أو أعرض وتولى،
أقول: ولو اتبعنا القوم هنا وألزمناهم لوازم كلامهم لكشفنا فضائح لهم حجة، ولطال بنا المقام بما نكره القيام عنده فنكتفي بما قدمناه في ذلك ولله الحمد والمنة.
وجماع ما قدمناه هنا في هذا الباب أن الصفة الشرعية للحجة إنما هي كتاب الله العظيم، وأن صفة قيامها إنما هو إبلاغها للمدعو بحيث يمكنه الوقوف عليها، فان صم أذنيه أو استغشى ثوبه أو تلهى عنها    أو اعرض أو لم يفهم فلا عذر له، ووجد إثبات الحكم الشرعي الواجب فيه، من غير التفاف لجهل أو غيره، هذا ما قدمت عليه البراهين القاطعة.
إذا صح ذلك فأعلم أن واقع بلاء العرب الآن، وهي محل النزاع بيننا وبين مخالفينا - قد قامت فيه حجة الله على العباد، وانقطعت عنهم آية الشبهة لعذر، وسواء أقلنا أن الحجة هي مجرد الكتاب، أم هي الكتاب والسنة وكتب الفقه والتفسير والأصول واللغة وغيرها.
أقول: مهما زعموا في اشتراط الحجة، فهي قائمة بكل ما اشترطوه، وأصبح لا شك لدينا في أنه قد رضي بجهله وجهله رضي به، ولا شك في أنه كما وصف الله سبحانه وتعالى أمثاله: (كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا )[الجمعة: 05 ].
وليعلم الناس جميعا: أن من فارق التوحيد منهم وتلبس بالشرك دل النص الشرعي على كونه شركا خارقا للتوحيد، فإننا لا نتردد لحظة واحدة في اعتباره مشركا كافرا بالله العظيم، ولا حجة له عندنا بجهل أو سواء فهم أو قلة علم ومن زعم عذره بجهله في هذا الحال فهو سفيه لا شك في فساد عقله، أو ضلال معتقده، بل لاشك عندنا أنه أعتى من عتاة المرجئة وأن قوله ذلك هو أفسد لدين الله وواقع الإسلام ورجاله من أي طعن يغمده أعداء الله فينا. بل لم يدخل في الاسلام بعد

فاتقوا الله يا قوم، وتأملوا حالكم ومقالكم، وانظروا من أنتم ؟؟ وحذار أن تتلاعبوا بأقوال الفقهاء،    أو تتلذذوا بلي الكلام، فالقضية ليست من الترف الفقهي، أو الخلاف السطحي، وإنما القضية كفر وإيمان شرك وتوحيد، جاهلية وإسلام، فاتقوا ربكم وراجعوا فهمكم ودققوا نظركم واصدقوا الله يصدقكم، وانصروا الله ينصركم.
هذا بيان ما أردنا تبيانه في هذا الباب، وقد أحكمناه وفصلناه بفضل الله بما لا يبقي ريبة لمرتاب
______________
منقول / انتهى بفضل الله وحمده

(٢٧) مسألة العذر بالجهل في التوحيد

قالوا : لا نكفر الجاهل الذى وقع في الشرك الأكبر الا بعد قيام الحجة !!
************************************************************
سألناهم: ما هي الحجة التي ينقطع بها العذر في التوحيد ؟.
وما حدها الذي يوجب انتقاء حجة المحتج عليه ؟.
وما حد انتقاء الشبهة ؟. ثم ما دليلكم على ذلك ؟.
ومع أن هذه الأسئلة من أوليات القضية وحدودها اللازمة الضبط قبل الخوض في القضية، وإصدار حكم عام وقاعدة مضطردة بالعذر للجماهير وعدمه، مع ذلك وجدنا القوم يفتقدون أبسط معاني الفهم وأسس الاستدلالات ودلائل الضبط والتحديد.
ثم سألناهم: ماذا لو أقمت الحجة على شرك من استشرع شريعة من دون شرع الله تصرف بها في عباد الله وقضى بها في دمائهم وأعراضهم، وكذا من تحاكم إليه  وبينت ذلك بالأدلة القاطعة في كتاب الله هل لا تكون الحجة قائمة إلا أن آتي له بأحاديث كشرط لازم ؟. ثم ما لو أتيت له بآيات وأحاديث تفيد القطع والحسم، هل لا تكون الحجة قائمة حتى آتي له بتفسير الأئمة المشهورين ؟. ومن هم الأئمة المشهورين في وجهة نظركم ؟. فإن قلتم فلان وفلان سألناكم. وما الدليل والبرهان على جعله حجة يعذر من جهل بها وينقطع العذر عمن سمع بها ؟.
ثم نسألكم: كم إمام يكفيني الاستشهاد بقوله منهم حتى تكون الحجة قد قامت على العباد ؟. فإن قلتم: كذا عالما سألناكم: وما الدليل والبرهان على هذا الشرط وهذا العدد ؟. فانكشف حوار الأفاكين وبان فحش احتكامهم للهوى المجرد، والرأي المحض من بينة ولا سلطان.
ثم سألناهم: ما هو حد الحجة الذي تنتقي معه الشبهة ؟. فلما أعيتهم النصوص أن يجدوا فيها تعليقا يوافق مذهبهم الفاسد، احتكموا إلى بن حزم الجهمي، فقالوا: قال بن حزم:" وصفة الحجة أن تبلغه فلا يكون عنده شيء يقاومها ". فسألناهم: هل شرط بن حزم ذلك في قضية الإيمان والكفر والتوحيد والشرك ؟.  أم في معرض كلامه عن النزاع في الفرق الداخلة تحت حكم الإسلام، وما ثار بينها من قضايا تحتاج لإثباتها الجمع بين أطراف الأدلة، ومعرفة الناصح والمنصوح والعموم والخصوص، وغير ذلك من أسس الفقه وأصوله، والدراية الواسعة بالسنة والسيرة بالذات، وهي القضايا التي اصطلح بعض الفقهاء على تسميتها بالأمور الخفية، ومنها ما ثبت بأخبار الآحاد ؟.
ثم سألناهم: هذا الكلام رأي محض من بن حزم ، فهل قول بن حزم حجة ملزمة في دين الله ؟. فإن قلتم حجة ملزمة كشفتم النقاب عن أقنعتكم، وصرحتم بإتباعكم الرجال، وتقليدكم بلا برهان، وإن قلتم: ليس كلام بن حزم بالحجة الملزمة في دين الله، لزمكم إبطال ما استدللتم به من كلامه،
ثم عدنا لسؤالنا: ما هو حد الحجة إذن وحد انتفاء الشبهة بها ؟. ونعود لنناقشكم فيما نقلتموه عن ابن حزم في قوله:" وصف الحجة أن تبلغه..." ونسأل: ما هي تلك التي تبلغه ؟.
أن النزاع بيننا قائم فيما يدل عليه ويرجع إليه الضمير، ألا ترون أنكم بهذا النقل عن بن حزم  لم تحسنوا البيان، وأنكم إنما أتيتم بإشكال على إبهام، ولم تأتوا بذلك بتحديد لحد الحجة بحال.
ثم نعود لنسألكم فيما نقلوه عن بن حزم في قوله:"...فلا يكون عنده شيء يقاومها". هل يعني ذلك استفاء ما عنده من الشبه والجواب عليها ؟. فإن قلتم نعم، سألناكم وما الدليل على هذا الشرط ؟. ثم هل يعذر بهذا الشرط اليهود والنصارى الآن لثبوت الشبهات عندهم يقينا حول دين الإسلام مما يبثه كبراءهم وسادتهم وأحبارهم ورهبانهم ؟.
أم أن العرب لهم شأن في الشرك غير شأن العجم ؟. أم أن ملة الشرك في أمهم شيء وفي هذه الأمة شيء آخر معفو عنه ؟.
ألا فليعلم أن الناس سواء أمام حكم هذا الدين كبيرهم وصغيرهم، عربيهم وأعجميهم، من انتسب إلى شريعة محمد صلى الله عليه وسلم ودان بتوحيد الله عز وجل وخرج من الشرك فهو المسلم الذي يثبت له عقد الإسلام ومن لم يؤمن بهذه الشريعة ودان بغير عبادة الله تعالى، وتلبس بالشرك فهو كافر مشرك بالله، من الخاسرين، حكم واحد ثابت منفرد: ( وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ  بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنْ الشَّاكِرِينَ )[الزمر: 65 / 66].
ثم نعود فنسأل: ما حد انتفاء الشبهة عند المحتج عليه ؟. وكيف يستشعر المحتج بأنه قد استوفى البيان وقطع العذر ؟. وجامع جوابنا على ما قدمنا هنا من مناقشة لهم، إن كل شرط وحد يضعونه ولم يرد به نص كتاب أو سنة صحيحة فهو باطل لا وجود له أصلا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله، كل شرط ليس في كتاب الله فليس بشرط، ولو كان مئة شرط، قضاء الله أحق، وشرط الله أوثق  [رواه البخاري ].
وكذا فإن كلام بن حزم الجهمي ليس حجة ملزمة في دين الله، وإنما هو حجة عند المقلدة، على مذهبهم الفاسد وطريقتهم الخاطئة،  وإذا قد بان لك إن القوم لا يملكون فهما محددا للحجة ولا حدها، فضلا عن الدليل الشرعي على ذلك، أقول: لما ظهر ذلك، فنحن بعون الله وتوفيقه نسوق لكم الأدلة القواطع على المفهوم الشرعي الثابت والمحدد في شرع الله، وهديه لصفة الحجة وحدها، محتكمين في ذلك إلى كتاب الله تعال وما صح من سنة نبيه صلى الله عليه وسلم
قال تعالى: (فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً )[النساء: 59].

صـفة الحجة
*************

وصفة الحجة التي تنتفي معها حجج المشركين، وينقطع بها العذر عنهم إنما هي كتاب الله المجيد هذا القرآن...نعم محض هذا القرآن على وجه التحديد، فمن بلغه القرآن فقد بلغته الحجة وقامت عليه البينة بدين الحق.

البرهان الأول:

قال تعالى:  وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ  [الأنعام: 19].
ولفظ: (به) يعود فيه الضمير إلى القرآن فصح أن الإنذار وهو الحجة الملزمة إنما يكون بهذا القرآن، ولفظ: ( وَمَن بَلَغَ )  دليل آخر لثبوت الحجة على من بلغه القرآن،
وفي هذه الآية المحكمة البينة نكتة لطيفة نحتاجها في موضع آت بإذن الله، تقول: العرب بلغ الشيء، وصل إليه، وبلغ فلان الماء، وصل إليه سواء شرب منه أم لم يشرب، فبلغه القرآن أي وصله، فهذا دليل واضح قاطع، لا لبس فيه ولا غموض، ونتحدى أن يثبت أحد خلافه، وبالله التوفيق.

البرهان الثاني:

قال تعالى:  المص  كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ   [الأعراف: 01 / 02].
فصح بصريح لفظ القرآن أن الإنذار إنما يكون بمحض هذا القرآن، لقوله تعالى: (لتنذر به ) أي بالقرآن، هذا بيان جلي، ومما يِؤسف له ويبكى منه بدموع العيون، أن يشغب المخالف لنا في هذه الأدلة بأن الناس قد يكون عندهم الشبهات التي يضلهم بها أئمة الضلال وفقهاء السوء، ليلبسوا عليهم دينهم فلزم عذرهم حتى نفهمهم الكلام، ونفند لهم الشبه، ونبين لهم فساد كلام أئمتهم وكبرائهم.
وهذا من أفسد ما تذهب إليه العقول، وتضل به الألباب، فهو فضلا عن كونه دعوى بلا برهان، وهو أمر لا يعجز عنه كل آفاك مبتدع، زائغ فإنه مخالف لبيان الله مخالفة ظاهرة، فكم قص علينا القرآن المجيد، أن ضلال المشركين وكفرهم وخسارتهم إنما كان بتضليل أئمتهم لهم وتلبيس الدين عليهم، وبثهم الشبهات في معاني الدين وحول الحق وتشويه صورة دعاته بشتى الأوصاف والاتهامات، بل هم الذين حكى القرآن المجيد عنهم قولهم: ( يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ )[سبأ: 31].
وهم الذين حكى عنهم القرآن المجيد قولهم يوم القيامة: (وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا )[الأحزاب: 67].
وهم الذين قص علينا القرآن المجيد أسفهم وخيبتهم في النار: (وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُم مِّنَ الْأَشْرَارِ  أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ )[ص: 62 / 63 ].
وفي هذه القضية كذلك قول الحق سبحانه وتعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ  [الأنعام: 112].
وفي ذلك قول الحق سبحانه مقررا سبب كفر جماهير المشركين:  بَـلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُم مُّعْرِضُونَ [الأنبياء: 24].
فهؤلاء قد جاءهم النذير وسمعوا الذكر ولكن تضليل أئمتهم لهم، وتلبيس الأمر عليهم، وتشويشهم على الحق وأهله، فضلا عن الفسق الذي في قلوب الناس جعلهم ضالين عن معرفة الحق الواضح ولزومه، مخلوط عليهم أمر الهدى والضلال، بل وصل الأمر عند بعضهم إلى الاعتقاد الجازم بصحة مذهبهم ودينهم وفساد مذهب الرسول ومن تابعه فيقولون يوم القيامة:  وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُم مِّنَ الْأَشْرَارِ  [ص: 62 ].
فما علمنا نص في كتاب وسنة صحيحة ولا ضعيفة ولا قول صاحب ولا تابع، يقول بأن هؤلاء الضالين ناجون من النار معذورون بتضليل أئمتهم لهم ووجود الشبهات في عقائدهم تجاه الحق، وإنما ابتدع مثل ذلك البهتان المتجرئون على الشريعة، والمتطفلون على الفقه والعلم في آخر الزمان، بل وجدنا كافة النصوص الشرعية تبين بجلاء ووضوح أن الضالين والذين أضلوهم كليهما في النار من الخاسرين، إلا الذين تابوا ومَنَّ الله عليهم بلزوم الهدى ودين الحق وشرح صدورهم للإسلام

البرهان الثالث:

قال تعالى: (وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ ) [التوبة: 06 ].
وفي هذه الآية المباركة دلالتان اثنتان كلتاهما قطعية الدلالة في موضعها، أما الأولى ففي قوله تعالى: (كَلاَمَ اللّهِ ) . فصح أن البينة التي ينقطع بها عذر المشركين عند المسلمين إنما هي كلام الله، ويثبت مما قدمناه من أن الصفة الشرعية المحددة للحجة إنما هي القرآن.
وأما الثانية ففي قوله تعالى: ( حَتَّى يَسْمَعَ ).
وأهل العربية يعلمون علم اليقين أن قول الله سبحانه: (حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ).
هو خلاف قول القائل:'حتى يفهم كلام الله '، وبين مدلول هذه اللفظة وتلك بعد مابين المشرق والمغرب.
فصح أن قيام الحجة تكون بمجرد السماع لكلام الله، فهم أم لم يفهم، أضله فيه مضل أم وفقه الله تعالى للهدى والرشاد وأبعد عنه أهل الضلال، وكما قدمنا لو أضله عن آيات الله مضل لكان هو والذي أضله في النار من الخاسرين، وقضية إقامة الحجة والشرط فيها سيأتي بإذن الله بعد قليل ولكنا تعرضا لها هنا على عجالة ردا على ما أثير في قضية الضلال والتي طرحنا بعض مفهوم مخالفينا لنا.

البرهان الرابع:

قال تعالى: ( لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ  رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَةً  فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ ) [البينة: 01 /03].
وهذا دليل قطعي محكم ومفصل في ذاته وهو بفضل الله من أوضح ما تكون الأدلة وأعظمها، فقد بين الله أن المشركين لا ينفكون من شركهم حتى تأتيهم البينة، وهي الحجة الرسالية، ثم جاء الشرح والتفصيل والضبط والتحديد الرباني لصفة البينة بأنها: ( رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَةً  فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ ) [البينة: 02/03].
فصح بيقين ما قدمناه أن صفة الحجة الرسالية إنما هي كتاب الله المجيد

البرهان الخامس:

قال تعالى: ( وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ )[الزمر: 71].
فصح بجلاء وبيان رباني أن الحجة الرسالية التي حدها الباري لعباده إنما هي القرآن: ( يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ ).

البرهان السادس:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن حجة لك أو عليك [ رواه مسلم ].

فهذه دلائل كلها قاطعة على صحة ما قدمنا من أن الحجة هي كتاب الله، هذا هو التوحيد والضبط الشرعي الصحيح لهذا الأمر، فلا يصح خلاف ما قرره الباري سبحانه في كتابه، وقد سبق وبينا أن المخالف هنا لا يملك أي دليل شرعي على مذهبه، هذا إن كان له مذهب وفهم محدد لها، وبالله تعالى التوفيق.
فالحمد لله أولا وآخرا فقد قدمنا الأدلة القاطعة على صدق دعوانا، وأن الحجة التي ينقطع بها عذر المشركين إنما هي القرآن المجيد، وأعود لأؤكد وأجزم، بأن أحدا من مخالفينا لا يملك هنا دليلا واحدا ينقض قولنا، والحمد لله على تـوفيقه.
___________________
يتبع ان شاء الله / منقول

عربي باي