صفحتي

صفحتي
مدونة ياقوم اعبدوا الله ما لكم من اله غيره
الجمعة، 16 ديسمبر 2016

(٢٦) مسألة العذر بالجهل في التوحيد


شبهات العاذرين بالجهل
الـحواريون
********
الشبهة التاسعة والاخيرة :
احتجوا بقول الله سبحانه وتعالى حاكيا عن مقولة الحواريين لعيسى بن مريم
إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء قَالَ اتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ
[المائدة: 112].
قالوا هذا دليل على أن الحواريين شكوا في أن الله قادرا، ولم يكفروا بهذا الشك مع أنه كفر لأن الله تعالى عذرهم بجهلهم،
قلت: لقد عز الحياء والله، وكلامهم هذا من أكبر البراهين على سيطرة الهوى على منهاجهم في الاستدلال، وهذا الذي نسبوه للحواريين واحتجوا به هو من أفسد ما يكون الاحتجاج وهو ظاهر البطلان لذي عقل وقلب، وبداية أعجب كيف يجهل الحواريون وهم خلصاء رسول عيسى بن مريم وبطانته، وأئمة الهدى والعلم في أمته.
أقول: كيف ينسب إليهم جهل أبسط معاني العقيدة، وأعظم صفات الباري سبحانه وهي ' القدرة ' وقد قدمنا أن صفة القدرة بالذات لا ينكرها أو يشك فيها إلا كافر سفيه العقل.ولا أدري هل كان الحواريون يؤمنون بأن الله تعالى الذي يعبدونه ويؤمنون به هو الذي خلق رسولهم عيسى بكلمة منه، وقال له كن فكان؟. أم إله آخر يعجز أن ينزل من السماء مائدة، سبحانك هذا بهتان عظيم.
وهل كانوا يعبدون الذي خلق السماوات بغير عمد، وسخر فيها الشمس والقمر والنجوم السيارة، والأرض وما بث فيها من آيات ودلائل تشهد أدناها بعظمة خالقها وقدرته وجبروته، والذي خلقهم ولم يكونوا شيئا مذكورا، ثم يميتهم ثم يحييهم، ويبعثهم بصيحة واحدة، وهو الذي يرزق الطير والدواب، وكل نفس منفوشة، بل إني أعجب كيف آمنوا بأن الله قادر على أن ينزل الملائكة من السماء بالروح من أمره على من يشاء من عباده، ومنهم عيسى عليه السلام رسولهم الذي آمنوا به وبما يتنزل عليه، ثم يشكون في أن الله قادر على أن ينزل مع الملائكة مائدة على الحواريون؟. اللهم إليك نشكوا فساد العقول والألباب، وسيطرة الهوى وعماية الرأي، ولا حول ولا قوة إلا بالله...
جاء في تفسير هذه الآية :" أن الحواريين خلصاء الأنبياء ودخلاؤهم وأنصارهم، كما قال تعالى: نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ [أل عمران: 52].
ومعلوم أن الأنبياء صلوات الله صلوات الله وسلامه عليهم، جاؤوا بمعرفة الله تعالى، وما يجب له، وما يجوز، وما يستحيل عليه، وأن يبلغوا ذلك أممهم، فكيف يخفى ذلك على باطنهم، واختص بهم حتى يجهلوا قدرة الله تعالى "إهـ.
أقول: ومن ثم فقد أجمع أهل التفسير على أن قول الحواريين لم يخرج مخرج الشك في قدرة الله تعالى، وقد خرجوا الآية على مخارج شتى، غالبها راجح على حمل الآية على إحدى رواياتها، فالآية وردت بروايتين الأولى: بلفظ هل تستطيع ربك .بالتاء وهي قراءة الكسائي، وأيضا قراءة علي بن أبي طالب وعائشة ومعاذ وبن عباس وجماعة من الصحابة وسعيد بن جبير ومجاهد من التابعين انظر تفسير بن جرير الطبري والقرطبي، والثانية: بلفظ " هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ الآية.
بالياء وكلاهما حق، وكلاهما من عند الله، فأما من قرأها بقراءة الكسائي فقد ذهب الإشكال واستقام المعنى الظاهر للآية، ويصبح معناها: هل تستطيع سؤال ربك أو: هل يجيب الله إن سألته، وأما من قراءها بالثانية فقد حمل معناها على ظاهر القراءة الأولى وبما لا يتعارض معها، وحقوقها حسب مقتضيات لغة العرب المتنزل بها القرآن، فكان لهم تأويلات عدة مجمعة كلها على تنزيه الحواريين، وتبرئتهم من نسبة الشك إلى قدرة الله إليهم ومن أراد استزادة ومراجعة ما ذكره العلماء فيها فليراجع تفسير سورة المائدة، وكذا الطبري في مجمع البيان.
أقول: وكل من له مسكة عقل ومسحة حياء ليشهد ببطلان ما ذهب إليه البعض، وشذ به من نسبة الشك في قدرة الباري للحواريين لكي يحتج بها على دعواه الفاسدة، وبالله التوفيق.
هذا كل ما شغبوا به في المسألة، لا نعلم لهم حجة غير ما قدمناه، وقد تبين لكل ذي بصيرة أنها احتجاجات فاسدة، لدورانها في منهج فاسد في النظر، وإما أنها استدلالات في غير موطن النزاع، وإما أنها سوء فهم لدلالات النصوص، وإما أنها تأويلات فاسدة للنصوص البينة، وإما أنها احتجاج بحديث ضعيف لا تقوم بمثله حجة، هذا فضلا عن صور التقليد المقنع، مع أنهم كانوا يثيرون الدنيا ويقعدونها ثورة على التقليد وأهله ودعاته، وجعلوا هجومهم على المقلدة شغلهم الشاغل، وبرهنوا بالكثير المستفيض من دلائل الكتاب والسنة وما ورد عن السلف، من إثبات لفساد التقليد وبطلانه وتسفيه من قال به. فإذا ما صار الأمر هوى عندهم، رأيتهم قلدوا الرجال بغير دليل واحتجوا عليك بكلام الناس المجرد، والرأي المحض، فإذا ما أتيتهم بالدليل من عند الله قالوا لك: خالفت قول فلان وما فهم مثل فهمك، ولا نعلم لك سلفا في هذا، وركبوا الصعب والذلول وطعنوك بكل طاعن، ورموك بكل بهتان، فتارة أنت مبتدع وتارة أنت خارجي تكفيري، وتارة معتزلي وتارة مرتد عن نهج السلف وهذا هو شأن المقلدة الدائم، وسلاحهم المشهر دوما في وجه مخالفيهم. ويا ليتهم صدقوا فيما نسبوه لنا، وجدتنا ما خرجنا على سلف أمتنا الصالح قيد شعرة، وما حدنا عن منهجهم في قول أو فعل أو اعتقاد، بل كلما ازددنا معرفة بمنهج السلف ومدى انتصارهم لكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم لا يقدمون عليهما غيرهما، بل أمسك جهلهم عن الفتوى بمحض الرأي حتى ولم يوجد لها عنده دليل في الكتاب والسنة.
أقول: كلما ازددنا معرفة بهم ازددنا تيقنا واطمئنانا لما نحن عليه من الحق والهدى، وفي المقابل ازددنا يقينا بفساد ما عليه مخالفونا و بطلانه.
____________
منقــــــــــول / انتهى

تم بحمد الله
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات

اعلان 1
اعلان 2

0 التعليقات :

إرسال تعليق

عربي باي