شبهات العاذرين بالجهل
******************
الشبهة السابعة :
حـديث العرصات
____________
احتجوا بحديث الأربعة الذين يحتجون عند الله تعالى يوم القيامة، ويختبرون في العرصات: وهو حديث غريب طال التنازع فيه بين أهل الحديث، والحديث خرجه الإمام أحمد في مسنده، وأبو داود الطيالسي وأبو يعلى الموصلي وأبو بكر البزار ومحمد بن يحي الشرهلي من طرق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: أربعة يحتجون يوم القيامة، رجل أصم لا يسمع شيء، ورجل أحمق، ورجل هرم، ورجل مات في فترة، فأما الأصم فيقول: رب قد جاء الإسلام ولا نسمع شيء، وأما الأحمق فيقول: رب جاء الإسلام والصبيان يقذفونني بالحجر، وأما الهرم فيقول: رب قد جاء الإسلام وما أعقل شيء، وأما الذي مات في فترة فيقول: رب ما أتاني لك رسول، فيأخذ مواثيقهم ليطيعنه فيرسل إليهم أن ادخلوا النار، فو الذي نفس محمد بيده لو دخلوها لكانت عليهم بردا وسلاما وفي لفظ فمن دخلها كانت عليه بردا وسلاما، ومن لم يدخلها يسحب إليها .
والحديث في ثبوته نزاع طويل، وفي صحته خلاف مشهور بين العلماء، وبعض أهل العلم ينكرونها، لأن الآخرة ليست دار عمل ولا ابتلاء، وكيف يكلفون دخول النار وليس ذلك في وسع المخلوقين، والله لا يكلف نفسا إلا وسعها " .
أولا قلت: فإن ذلك كذلك، لزم كل منصف التوقف عن الاحتجاج بالحديث خاصة عند مقابلة النصوص ببعضها، بيد أن النظر والتأمل، يعطي ترجيح قول من ضعف الحديث لمخالفة الحديث معطيات الشريعة من أن الآخرة ليست دار عمل وابتلاء، وإن كان مدار النزاع فيه على ثبوت إسناده فله طرق كل فيها نظر، والخلاف قائم بين العلماء، هل ترقي إلى درجة الاحتجاج أم لا تقوم بها حجة كما قدمنا، فالنفس لا تطمئن لمثله.
ثانيا: الحديث بلفظه خارج محل النزاع الأصلي، وهو حُكُمُ وصِفَةُ من تلبس بالشرك ونقض التوحيد في الحياة الدنيا، هل يكون حكمه كافر أم يمتنع ذلك لعارض الجهل، والحديث لا يتكلم عن ذلك البتة، وإنما يتحدث عن قضية عذاب الله له أو عفوه وهي - كما قدمنا مرارا قضية أخرى غير الأولى- فحذار من الخلط والتلبس بين مواضع الكلم، ومواطن الاحتجاج.
ثالثا: حتى في قضية العذاب أو العفو، فالحديث لا يصح لهم حجة على دعواهم فيها وذلك أن كل ذي علم وفهم يعلم أن الحديث لم يتعرض قط لمناط النزاع الحقيقي، من خرق التوحيد وتلبس بالشرك الظاهر وإنما الحديث يتكلم عن رجل مات في فترة، وقد سبق تفصيل الكلام في أهل الفترة، وأنهم أقسام، منهم من رأى قومه على ما هم فيه من الشرك وعبادة غير الله فاجتنبها وتبرأ منها ولكنه جهل ما يتقرب به إلى الله من الأعمال الصالحة، والشرائع لانطماس أثر الرسالات، فهذا من يعذره الله يوم القيامة، ومنهم من تابع ما عليه
قومه من الشرك واستنام لذلك وعبد غير الله، فهذا غير معذور كما ظاهر وصريح من الادلة في الكتاب والسنة
أقول: إنما مدار الكلام والحجة هنا أن أهل الفترة ليسوا كلهم تلبسوا بالشرك ونقضوا التوحيد وعبدوا غير الله، فحتى يثبت لكم حجة من هذا الحديث؛ أرونا منه ما يدل على أن هذا الرجل الذي مات في فترة، ويدلي بالحجة عند الله يوم القيامة كان مشركا بالله ناقضا للتوحيد، عابد غير الله تعالى، أما قبل ذلك فلا دليل لكم ولا حجة - هذا لو صح الحديث-. فكيف ولم تثبت صحته بالإطلاق فضلا عن خروجه عن صلب محل الخلاف والنزاع كما قدمنا. والحمد لله على توفيقـه.
______________
يتبع ان شاء الله / منقــــــــــــــول
0 التعليقات :
إرسال تعليق