شبهات العاذرين بالجهل
*******************
الشبهة الثالثة :
حـديث شجرة ذات أنواط
_________________
احتجوا بحديث شجرة ذات أنواط
عنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ ، أَنَّهُمْ خَرَجُوا مِنْ مَكَّةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى حُنَيْنٍ ، وَكَانَ لِلْكُفَّارِ سِدْرَةٌ يَعْكِفُونَ عِنْدَهَا وَيُعَلِّقُونَ بِهَا أَسْلِحَتَهُمْ يُقَالُ لَهَا : ذَاتُ أَنْوَاطٍ ، قَالَ : فَمَرَرْنَا بِسِدْرَةٍ خَضْرَاءَ عَظِيمَةٍ ، قَالَ : قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ كَمَا لَهُمْ ذَاتُ أَنْوَاطٍ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " قُلْتُمْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى : اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ
سورة الأعراف آية 138 ،
إِنَّهَا السُّنَنُ لَتَرْكَبُنَّ سُنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ " .
قالوا: فمع سقوطهم في الشرك إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم عذرهم لجهلهم بمعاني الربوبية والألوهية.
قلت: وهذا من أفسد ما يكون الاستدلال وأعجبه، وهو إن دل على شيء فإنما يدل على ضحالة الفهم والفقه لدى قائله وبيان ذلك من أوجه:
الوجه الأول:
قولكم أنهم أشركوا شركا ظاهرا بدليل قوله صلى الله عليه وسلم : كما قالت بنو إسرائيل: اجعل لنا إلها كما لهم آلهة....
استدلال فاسد لأن من له أدنى معرفة بلسان العرب، يعلم أن التشبيه يفيد اتفاق المشبه والمشبه به في صفة واحدة أو أكثر، ولكن لا يفيد التطابق والسواء و إلا كان المشبه هو ذاته المشبه به، فإن ذلك كذلك علمنا يقينا أن الرسول صلى الله عليه وسلم :لم يجعلهم كبني إسرائيل في كل ما فعلوه، وإنما في جانب شابهوهم فيه، إما في خطئهم بتشبههم بالكافرين، وإما في ذات الشرك الذي وقعوا فيه، وكلا من الاحتمالين قائم بافتراض فبطل الاستدلال من الحديث بقصر المراد على أحدهما دون الآخر إلا بقرينة زائدة من ذات النص أو من خارجه.
الوجه الثاني:
القرينة القطعية قائمة بذات النص على أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما عنفهم لخطئهم بطلب التشبه بالكافرين لا لشركهم وخرقهم للتوحيد، وذلك أن طلب المؤمنين منه أن يجعل لهم شجرة يتبركون بها ليس فيه ما هو شرك بالله تعالى بل لو أن النبي صلى الله عليه وسلم استجاب لهم وسأل الله أن يجعل للمؤمنين شجرة يتبركون بها ويقدسونها لكان ذلك من شريعة الحق وليس من الشرك فهذا أمر بين يعلمه كل ذي فقه ودين.
ومن له مسكة عقل يعلم أن طلبهم شجرة يتبركون بها ليس كطلب بني إسرائيل من موسى أن يجعل لهم آلهة يعبدونها من دون الله، فمجرد طلب المؤمنين ذلك ليس شركا بالله تعالى كما هو واضح، فصح يقينا أن النبي صلى الله عليه وسلم أنما عنقهم على تشبههم بالكافرين، لا على أنهم سقطوا في الشرك فعلا.
الوجه الثالث:
مع افتراض صحة فهمكم من النص لما صلح لكم حجة، وذلك أن أبا واقد يقول: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن حديثو عهد بكفر.
أقول: هل كل الصحابة الذين خرجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم كانوا حديثو عهد بكفر؟؟.
إن قلتم: نعم، كذبتم وخالفتم الحق والواقع
وإن قلتم: بل طائفة منهم قلنا: أين من ذات النص الدليل على أن هذه الطائفة لما كفرت بفعلها إن صح فهمكم عذرها النبي صلى الله عليه وسلم ولم يحكم بكفرها قبل أن يتوبوا؟؟.
فإن قلتم: لم يأتي في القصة أن الرسول صلى الله عليه وسلم كفرهم، قلت: لأنهم تابوا فور سماعهم تعنيف النبي صلى الله عليه وسلم ،
فإن قلتم: لم يأتي أن النبي صلى الله عليه وسلم استتابهم، قلت: ليس بشرط الاستتابة ماداموا تابوا من أنفسهم،
فإن قلتم: لم يذكر في الحادثة أنهم تابوا، قلت: ولم يذكر فيها أنه عذرهم بالجهل كذلك، ثم ليس عدم ذكرها في الواقعة أنها لم تقع أصلا، وذلك لاحتمالية أن يكون الراوي قد اكتفى بهذا القدر من الواقعة في حال احتجاجه بها. أو عرض عارض له صرفه عن إكمالها، أو شيء آخر يعلمه الله ولا نعلمه، وقد اعترض بذلك الإمام أحمد ومن تابعه من الحنابلة على وجوب جلد الزاني المحصن قبل رجمه من غير اعتبار لورود نصوص حكت أن النبي صلى الله عليه وسلم رجم قوما ولم تذكر أنه جلدهم.
أقول: " هذا جدل نظري " بافتراض في صحة فهمكم من الحديث، فكيف ولم يصح كما قدمنا، فبطل احتجاجكم من الحادثة، والحمد لله على توفيقه.
_____________________
يتبع ان شاء الله / منقــــــــــــــــــــــــول
0 التعليقات :
إرسال تعليق