صفحتي

صفحتي
مدونة ياقوم اعبدوا الله ما لكم من اله غيره
الاثنين، 12 ديسمبر 2016

(٣) مسألة العذر بالجهل في التوحيد

البرهان الثاني:

قال تعالى :
وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ
[ الأعراف: 172 /174].

وهذه الآية من أعظم دلائل القرآن المجيد وأجلها، وذلك أنها أحكمت بيان القضية ثم فصلته في ذات الوقت، فبينت إقامة الحجة بالإشهاد وأخذ الميثاق على التوحيد،
ثم فصلت انقطاع العذر بهذه الحجة، سواء بالجهل أو التقليد
في قوله تعالى: أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ - أي جاهلين- َوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ - أي كانوا مقلدين - الآية.
وحاصل الحالتين الجهل وعدم العلم، فأثبتت الآية ثبوت الحجة وقيامها على بني آدم بهذا الإشهاد، وانقطاع العذر بها كذلك، ومن ثم علمنا أن كل بني آدم يولدون على هذه الفطرة وهذا الميثاق وهذا الدين، فإذا ما بدلوه ونقضوه علمنا كفرهم يقينا دونما إلتفات إلى جهل أو تقليد أو عناد أو غير ذلك، وبهذا التفصيل والبيان قال سيد المرسلين وهو المكلف بالبيان أصلا لكلام الله
لقوله تعالى: وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ
[ النحل: 44 ].
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
كل مولود يولد على الفطرة وفي رواية على هذه الملة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كالبهيمة تنتج بهيمة...
[ الحديث متفق عليه ].
فصح كفرهم وإثبات هذا الحكم عليهم مع أنهم مقلدون لا يفقهون ولا يقدرون ولا يعلمون، " كالبهيمة تنتج بهيمة ".
ونحن نعلم يقينا أن كفر جماهير اليهود والنصارى والمجوس إنما هو كفر جهل وتقليد، ولم يعتبر الحكم الشرعي بذلك، إنما أثبت حكم الكفر لهم، ولأن غير ذلك معناه إثبات حكم الإسلام والتوحيد - لا محالة- وهذا باطل من حيث الجملة والأصل.
يقول الله تعالى:
إني خلقت عبادي حنفاء فجاءتهم الشياطين فاجالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم
[ الحديث رواه مسلم ].
ولفظ اجتالتهم عن دينهم أي حولتهم عن دينهم كما جاء في لسان العرب لابن منظور، في مادة 'جَـوَلَ '. فصح أن من خرج من التوحيد وتلبس بالشرك، قد خرج من الدين الحق إلى دين الكفر والشرك جهل أو علم، عاند أو لم يعاند، قلد أو نظر وتأمل،
يقال للرجل من أهل النار يوم القيامة أرأيت لو كان لك ما على الأرض من شيء أكنت مفتديا به؟ قال: فيقول: نعم، فيقول: قد أردت منك ما هو أهون من ذلك، قد أخذت عليك في ظهر آدم ألا تشرك بي شيئا فأبيت إلا أن تشرك بي
[ الحديث رواه مسلم ].

أريد أن أقول: أن فقيها عالما منصفا، لو جال بنظره في جوانب الشريعة كلها ليرى دليلا من الجلال والوضوح والبيان في إثبات مدلوله لعز عليه أن يجد ما يفوق هذا الدليل الذي قدمناه جلالا ووضوحا وبيانا ولن نقبل أن يعارض مثل هذا النور ببعض التفاهات أو الخلط في كلام الفقهاء، فهذا الدليل حجة قائمة على صدق دعوانا وصحتها، لا مبطل لها ولا ناقض لقطعيتها، وبهذا التأويل لآية الأعراف قال بن عباس وأبي بن كعب وغيرهم

وهذا دليل بفضل الله عجز المخالف لنا عن رده بوجه يصح أو يعقل وإنما ذهب كده كله في قوله: وهذه الآية مشكلة، وبعضهم راح يذكر كلاما طويلا لابن القيم في أن الله لا يعذب إلا من بعد بعثة الرسل، فخرج عن موطن النزاع كلية ليتلاعب بكلامه وهو ليس بحجة في دين الله‍ اصلا ، وما في أمر العذاب نتكلم، وإنما نتكلم عن ثبوت الحجة عليهم وثبوت كفرهم وخرقهم التوحيد، أما كون الله سبحانه وتعالى يعفو عنهم بفضل منه يوم القيامة فهذا - لو كان وهو غير صحيح بل ثبت عكسه بأدلة قاطعة لا شك فيها - من خصوصياته سبحانه التي لا تجري بها الأحكام في الدنيا، فاحفظ هذا جيدا فإنه مما يتخبط فيه المخالفون لنا في هذه النقطة،

وقد زعم بعض المخالفين أن الإشهاد يأتي في اللغة بنوعين:
اشهاد قولي: مثل قوله تعالى: وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ [ البقرة: 282 ].
وقوله: وَأَشْهِدُوْاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ [ البقرة: 282 ].

إشهاد حالي: مثل قوله تعالى:مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ الله شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ
[ التوبة : 17].
قالوا الإشهاد المقصود في آية الأعراف إنما هو الإشهاد الحالي لا القولي، قلت: وصاحب هذا الكلام أتى بعظيمة في الدين لأنه كذب صريح للفظ القرآن:وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا
[آل عمران: 172].
وإني لا أعجب لهذا التجرؤ الفاحش، يقول الحق سبحانه:
قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا الآية. فيتطاول هذا بقوله:"لا لم يقولوا " وأحرى بهذا أن يستغفر الله ويتوب إليه مما هو فيه من الكفر

أقول: ومثل هذا التجرؤ على الشريعة سيأتي منه أعاجيب تقشعر منها جلود الذين يخشون ربهم مما نسبوه إلى الشريعة وأئمتها دفعهم لمثلها محض الهوى والانتصار للرأي.

يتبع ان شاء الله / منقول

اعلان 1
اعلان 2

0 التعليقات :

إرسال تعليق

عربي باي