قالوا :
" إنّ حكم الحاكم بغير ما أنزل الله ليس كفراً يخرجه عن الملّة وإنّما هو كفرٌ دون كفرٍ كما نقل ذلك عن ابن عبّاس رضي الله عنهما"
فنقول :-
" يجب التفريق بين حالتين مختلفتين كلّ الإختلاف :-
(الأولي) أنّ الحاكم المسلم الذي يحكم بكتاب الله قد يجور ويميل عن العدل في قضية بين اثنين فيحابى أحدا لقرابته أو لسبب آخر من الأسباب .. فهو وإن خالف حكم الله في هذه القضية الجزئية ولم يخالف شرع الله ولم يخرج عنه .. لا يحكم بكفره ... وإنّما يكون [ مسلماً ] مرتكباً لكبيرة كما قد يقع ذلك من غيره من المسلمين . ويكون كفره كفراً دون كفرٍ وقد تكلّم ابن عبّاس رضي الله عنهما عن مثل هذا الحاكم المسلم إذ لم يكن يقع من الحكام في زمانه إلاّ مثل هذه المخالفات التي هي ذنوب دون الشرك بالله في حكم الشريعة .
وكان ابن عبّاس رضي الله عنهما يبلغ من العمر ثلاثة عشر سنة عندما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم .. ثم عاش في خلافة أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ ومعاوية ويزيد بن معاوية ومات في أيام الفتنة عندما كان العالم الإسلامي منقسماً إلي قسمين قسم تحت عبد الله بن الزبير وقسم تحت عبد الملك بن مروان .
ولم يكن من هؤلاء الحكام الذين عاصرهم ابن عبّاس من لا يحكم بكتاب الله كما هو المعروف .. وقد كان [الخوارج] الذين يكفرون المسلمين بالذنوب يكفرون أئمة الجور وعمالهم في الأمصار، ويستدلّون بقوله تعالي :- )ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ( [ المائدة : 44]
فكان العلماء كابن عبّـاس وغيره يردّون علي أولئك ويقولون : أنّ كفر هؤلاء الحكام ليس كالكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وإنّما هـو كفرٌ دون كفرٍ …
( الثانية ) أنّ الحاكم إذا استحلّ مخالفة الشريعة ولو في جزئية واحدة .. وأظهر عدم استـعداده للالتزام بـها .. أو أعلن العمل بما يخالفها من شرائع البشر ..فانّه لا شكّ في كفره وخروجه عن الملّة .. لأنّ الله تعالي قال في استحلال الميتة وحدها ..
(وإن أطعتموهم إنّكم لمشركون )
فإذا كان هذا هو حكم التابع لتشريع غير الله في جزئية صغيرة فكيف يكون حكم المتبوع الذي يحلّل ما حرّمه الله ويجعل ذلك شريعة للنّاس … لا شكّ أنّه أشدّ منه كفراً .. وأولي بقوله تعالي :-
)ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون (
قيل في قوله تعالي :-
)أ فحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقومٍ يوقنون ( [ المائدة : 50]
( ينكر تعالي علي من خرج عن حكم الله المحكم المشتمل علي كلّ خير الناهي عن كلّ شرّ وعدل إلي ما سواه من الآراء والاصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم [جنكزخان] الذي وضع لهم [الياسق] وهو عبارة عن كتاب مجموعة من أحكام قد اقتبسها من شرائع شتى من اليهودية والنصرانية والملّة الإسلامية وغيرها وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرّد نظره وهواه فصارت في بنيه شرعاً متبعاً يقدمونها علي الحكم بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن فعل ذلك فهو كافرٌ يجب قتاله حتى يرجع إلي حكم الله ورسوله فلا يحكم سواه في قليل ولا كثير ) ( انتهى نقلا) .
وقال أحد المفسرين بعد أن سرد بعض الأحكام من كتاب [ الياسق ]
( وفي ذلك كلّه مخالفة لشرائع الله المنـزلة علي عباده الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فمن ترك الشرع المحكم المنـزل علي محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء وتحاكم إلي غيره من الشرائع المنسوخة كفر . فكيف بمن تحاكم إلي [الياسق] وقدّمها عليه ؟؟ فمن فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين ...
قال تعالي : )أ فحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقومٍ
يوقنون (
قال تعالي : )فلا وربّك لا يؤمنون حتى يحكّموك فيما شجر بينهم ..الآية (
( انتهى نقلا ) ....
منقول بتصرف
0 التعليقات :
إرسال تعليق