صفحتي

صفحتي
مدونة ياقوم اعبدوا الله ما لكم من اله غيره
الخميس، 16 فبراير 2017

(٢٣) قالوا: فقلنا

قالوا:

"إن من صحّ اعتقاده لا يكون باتّباعه وعمله بتشريع غير الله كافراً " .
وهي شبهة مضلِّة ينخدع بها قليلوا المعرفة بالإسلام، يروجها المجادلون عن أهل الجاهلية

والأدلّة التي تجيب عنها كثيرة جدّاً، ويستطيع المسلم أن يعرف بُعدها عن الحقيقة وضلالها من وجوه كثيرة، إذا تدبّر النصوص القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة وما اجتمع عليه المسلمون في القرون المفضَّلة، ويكفي في ردّ هذه الشبهة وإبطالها وجه واحدٌ من أوجه الأدلّة الصحيحة الآتية منها :

بيّن القرآن أن المتبِّع لتشريع غير الله النابذ لشريعة الله ليس من الذين أخلصوا الألوهية لله، وإنما هو يعبد "إلهاً" و"رباً" غير الله .قال تعالى: ]اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلاّ ليعبدوا إلهاً واحداً لا إله إلاّ هو سبحانه عما يشركون[ [التوبة: 31] .وقد فسّر النبي صلى الله عليه وسلم هذا الاتّخاذ للأرباب بطاعة العلماء في التحليل والتحريم المخالف لأمر الله كما ثبت في حديث عدي بن حاتم الطائي
.وقال تعالى: ]قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألاّ نعبد إلاّ الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتّخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولّوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون[ [آل عمران: 64].وقال تعالى: ]أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدِّين ما لم يأذن به الله[ [الشورى: 21].فصرحت الآيات بأن المتّبع لتشريع غير الله قد عبد "إلها" و "رباً" غير الله، ولم يحقّق التوحيد المأمور به، فصار من المشركين، ولا فرق بينه وبين الذي يعبد المسيح ابن مريم ويستغيث به في جلب المنفعة أو دفع المضرّة. ولما وقعت اليهود والنصارى في هذا النوع من الشرك لم ينفعهم انتسابهم إلى الإسلام لله واتّباع ملّة إبراهيم وموسى عليهم السلام.فدلّ ذلك على أن من وقع فيما وقعوا فيه من الشرك ممن ينتسب لهذه الأمة لا ينفعه انتسابه إلى الإسلام لله واتّباع ملّة محمّد صلى الله عليه وسلم ، لأنه ليس بين الله وبين أحد من خلقه نسب، وإنما يتفاضل الناس في الإيمان والاستقامة وتحقيق العبودية لله بلا شريك. فإذا عرفت أن "أهل التوراة" أصبحوا مشركين بتقديمهم آراء العلماء على كتاب الله . فمن الجهل والغباوة الظنّ بأن "أهل القرآن" سيظلُّون مسلمين غير مشركين وهم يقدّمون آراء الكفار الجهال على كتاب الله في باب التشريع والتقنين للعباد .

وإذا عرفت من كتاب الله أن اتّباع غير الله في التشريع شرك مخرج عن الملّة، فاعرف أيضاً أن المشرك لا يكون أبداً صحيح الاعتقاد ، ولا بدّ من أن يكون في قلبه من الشكّ والاستكبار ما جعله يفضِّل شرائع الكفرة على شريعة الله . وإذا كان هذا التابع لتشريع غير الله عالماً بالإسلام وما جاء به من العقائد والأحكام علماً نظرياً، فإن ذلك لا ينفعه شيئاً ولا يصير به مسلماً حتى يعتقده. فإن هناك فرقاً بين المعرفة النظرية والاعتقاد الجازم المنشئ للتطبيق والعمل.فمن هنا تعرف فساد قولهم: "إنّ من صحّ اعتقاده لا يكفر باتّباعه وعمله بتشريع غير الله" . لأنه لا يتّبع ويعمل بتشريع غير الله مع وجود تشريع الله إلاّ الكافرون المشركون الشاكون المستكبرون.ومنها :

قصة إبليس اللّعين، هذه القصة المذكورة في القرآن في عدّة مواضع للاتّعاظ والاعتبار، فقد أخبرنا الله أن هذا المخلوق كان قبل كفره مع الملائكة عباد الرحمن المسبِّحين باللّيل والنهار، الذين لا يسأمون،
وأنه أصبح كافراً خارجاً عن الإسلام لما أبى واستكبر عن الانقياد لحكم واحد من أحكام الله.
قال تعالى: ]وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلاّ إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين[ [البقرة: 34]وقال تعالى: ]إلاّ إبليس قال أأسجد لمن خلقت طيناً[ [الإسراء: 61] .وقال تعالى: ]قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين[ [الأعراف: 19] .

فدلّت القصة على أن من ردّ أمر الله واستكبر عن الانقياد لحكم واحد من أحكامه واتّخذ خلافه منهجاً يستحسنه فإنه يصير بذلك كافراً خارجاً عن ملّة الإسلام، مهما كانت معرفته بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر عظيمة، كمعرفة إبليس، فإنه كان ذا معرفة عظيمة بالله، وقد خاطب الله بالربوبية والخلق قائلا: ]رب أنظرني[ وقال: ]خلقتني من نار[ . وكان كذلك عارفاً بالمعاد معترفاً بقدرة الله على بعث الأجساد، فقال: ]أنظرني إلى يوم يبعثون[ [الأعراف: 14] .وكان كذلك عارفاً بالملائكة، وكان من بينهم لما صدر من الله الأمر بالسجود لآدم عليه السلام ]فسجد الملائكة كلّهم أجمعون إلاّ إبليس أبى أن يكون مع الساجدين[ [الحجر: 30-31] .

وهو كذلك عارف بالحقّ الذي أنزله الله في كتبه على ألسنة رسله، وكان ولم يزل في معركة ضدّ رسل الله والمؤمنين  يريد أن يصرف الناس عن الصراط المستقيم وهو القائل: ]فبما أغويتني لأقعدنّ لهم صراطك المستقيم. ثم لآتينّهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين[ [الأعراف: 16-17] .

ومع معرفته هذه لُعن وطُرد من رحمة الله وصار رأساً في الكفر لما أبى واستكبر عن تنفيذ أمر واحد من أوامر الله، ثم تمحّض بعد ذلك للشرّ والإغواء .فإذا كان ذلك كذلك فكيف يكون المستكبرون المعاصرون أحسن حالاً وأكرم منْزلة من إبليس اللّعين ، وهم لا يعرفون أصول الإيمان كمعرفته، ولا يخالفون أمراً واحداً كما وقع منه، وإنما هم يخالفون كتاب الله المليء بالأوامر والنواهي، ويرمونه بالجمود والعجز عن مسايرة الواقع بلسان الحال أو المقال، ويستحلُّون قيادة الأمم والجماعات بآراء وكتب ما أنزل الله بِها من سلطان.ولا شكّ في كون سيئاتهم من سيئات إبليس داعيهم إلى الشرك والضلال. ولكن ينبغي أن لا ننسى أن عدوّ الله صار كافراً بأقلّ مما يصرُّون عليه وهم يزعمون أنهم مسلمون...

منقول

اعلان 1
اعلان 2

0 التعليقات :

إرسال تعليق

عربي باي